البذل قبل العطاء .. أفضل ..!!
أحد أعمامي، عليه رحمة الله، كان يحب الشعيرية باللبن ، ويحرص عليها في وجبتي الإفطار والعشاء، ويغضب حين لا يجدها على المائدة .. وفي اليوم الأول، من رمضان ما، جهزت له زوجته وجبته المفضلة بحيث تكون وجبة إسحار، ونبهته :(يا عبد الكريم صحيني في السحور، خلاص جهزت ليك شعيرية باللبن)، ثم غادرته الى حيث غرفة أطفالهما.. بعد ساعة فقط، سمعت النداء : (يا زينب خلاص وقت السحور جا، قومي جيبي الشعيرية)، وكان التنبيه قبل أوانه ، فنبهته : (السحور وقتو لسة يا عبد الكريم، نحن لسة ما نمنا، قول بسم الله).. وبعد ساعة أخرى، تكرر ذات النداء وذات التنبيه..ثم بعد نصف ساعة، وبعد ساعة أيضاً.. فانزعج أصغر الأطفال، وصاح في والدته : (يا أمي أبوي دا لو ما أكل الشعيرية دي ما بيرتاح، ولا بيخلينا ننوم، قومي وديها ليهو) .. !!
** وهكذا تقريبا غرام الحكومة بالتخلص من مشافي وسط الخرطوم، بالبيع ..بحيث لن ترتاح، ولن تدعنا ننام، ما لم تتخلص من مستشفى العيون، وكذلك مستشفى الخرطوم..نعم هذا المرفق المقابل النيل، ثم ذاك المقابل جسر المسلمية، بمثابة شعيرية شهية تحرص الحكومة على التهامها عاجلا، أي قبل الأوان .. ونعني بأوان الأوان (تجهيز البدائل) ..
وإعلان بانتباهة البارحة، رؤيته بحاجة الى مجهر، في الركن الأسفل بالصفحة التاسعة، يقول بالنص : يعلن السيد رئيس اللجنة المشرفة على إجراءات بيع مستشفى العيون بالخرطوم عن عطاء البيع، ويمكن الحصول على كراسة العطاء من الإدارة العامة للعقارات الحكومية، وآخر موعد لتقديم العطاء الساعة الثانية ظهر الثلاثاء 27 مارس 2012.. والله المستعان (دي من عندي)، اذ لم ترد في نص العطاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله (دي كمان من عندي)، و” إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” (دي كمان برضو من عندي)، وكان على رئيس اللجنة أن يختم بها نص إعلان المزاد، إذ ليس من العدل أن يقرأ القارئ اعلان بيع مرافق كهذه بلا (تحوقل)؟..ثم لماذا حجم اعلانكم قزم بحيث يكاد ألا يرى بالعين المجردة؟..ليه ما يكون بحجم صفحة كاملة ؟ وفي كل الجرائد؟..عندكم مشكلة قروش مثلا ؟..بالتأكيد، لو ما عندكم مشكلة قروش تبيعوا مستشفى بي حالو ؟..ثم لماذا زمن العطاء بكل هذا الضيق الذي لا تتجاوز فترته أسبوعاً وآخر؟..يمكن زول في بلاد الواغ واغ عندو الرغبة يشتري، وقروشو كتيرة، يجيكم كيف خلال أسبوعين؟..ما لكم مستعجلين كدة؟، ولا الواحد فيكم ما بينوم لو ما أكل الشعيرية باللبن زي عمي داك؟..المهم، هذا عن شكل إعلان بيع مستشفى العيون..علما بأن حكومة ولاية الخرطوم لم تعلن حتى يومنا هذا عن البديل المناسب، بحيث يكون (مستشفى عيون).. بيع هذا المرفق قبل تأهيل آخر حديث – كما ينص القرار الرئاسي – محفوفا بالمخاطر يا والي ولاية الخرطوم .. أي بذل الجهد في تأهيل البديل، قبل نشر العطاء، أفضل في مواقف كهذه ..!!
** أما مستشفى الخرطوم، فقد نفى والي ولاية الخرطوم رغبة التجفيف .. ولكن الواقع لا ينفي تلك الرغبة، ويجب ألا تنفى.. لقد تم تجفيف قسم النساء والتوليد، خير وبركة، إذ ليس من العقل أن تتمخض المرأة في جبل أولياء ثم تقطع كل هذه المسافة لتلد في مستشفى الخرطوم.. وأقساما كهذه يجب توزيعها وتأهيلها في مشافي المحليات، بحيث تكون مجاورة لمساكن الناس ومخاض زوجاتهم، وإذا نجحت الخارطة الصحية بولاية الخرطوم في توزيع عادل كهذا، فلن يجد رحيل قسم النساء والتوليد عن مستشفى الخرطوم باكياً.. وكذلك رحلت المشرحة الى مستشفى بشائر، وهذا الرحيل أيضا خير وبركة، فالتزاحم أمام مشرحة الخرطوم كان مزعجاً ومعيقاً للمارة والسيارات.. كل المستشفى، وليس قسماً أو أقساماً، يجب أن يرحل الى الناس في محلياتهم ومدائنهم وأريافهم.. نعم محليات الولاية بحاجة الى تأهيل مشافيها بالعدة والعتاد، بحيث لا يتكبد المريض ومرافقه مشاق الرحيل الي وسط الخرطوم بحثا عن العلاج..وإذا تم تأهيل المشافي الطرفية كما يجب ، بحيث يرضي الناس ويرفع عن كاهلهم مشاق افتراش الأرض تحت أشجار مستشفى الخرطوم، فأن التجفيف سوف يحدث تلقائياً، وبلا (قومة نفس) ..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]