عوضية و.. خواطر محزنة ..!!
لظرف عام ، أخرت إبداء الرأي حول مقتل المواطنة عوضية، لها الرحمة والمغفرة، الي يومنا هذا..فالظرف العام كان ما يسمى بالإجراء الإستثنائي الذي تتعرض له الصحف في مواقف كهذه، وهو اسم الدلع للرقابة التي تحذف كما تشاء بلاوعي..ولقد استفاض الأخ فيصل محمد صالح في الحديث عن هذا الظرف بالشاهد يوم الخميس الفائت، إذ جاءت زاويته يومئذ بحروف لسان حالها يقول ( أللهم لاتلمنا فيما تملك ولانملك)..وكل الأقلام تقريبا كان حالها شبيها بحال قلم الأخ فيصل.. وفي الخاطر تلك الباسلة التي عبرت عن مشاعرها أمام مشهد إعدام شقيها البطل ود حبوبة بقولها : لو جات بالمراد واليمين مطلوق، ماكان بيشنق ود أب كريك في السوق..نعم أيها الأفاضل، لم يكن بالمراد، ولم يكن اليمين مطلوقا بحيث نكتب ما نشاء، ولنا الأجر إن أصبنا أو المحكمة إن أخطأنا، وهكذا حال التعامل مع الصحافة في كل البلاد الناهضة وليست المضطهدة أقلامها..وشكراً للمواقع الإلكترونية التي تهبنا الهواء الطلق، ولكن نأمل ألا نؤمن بالبيت القائل : إن كان ذا وطناً ويمنعنا الهواء، لم الوطن..؟؟
** المهم، دروس تلك المأساة هي التي تصلح حالياً..أسردها رغم أنف وسواس يقهرني بأن الدروس لم تعد ذات جدوى ولايتعلم منها من يهمهم الأمر مثقال ذرة..ولو كانوا يتعلمون لما تكرر سيناريو المآسي بذات التفاصيل في حياتنا.. مأساة أسرة المرحومة عوضية لاتختلف عن مأساة أسرة المرحوم الشيخ أحمد يونس حامد..هذا كان شيخا تجاوز العقد الثامن عمراً، ويحيك ملابس الناس بالجلوس لساعات طويلة أمام ماكينته السينجر، في محل يفتح على الشارع العام بالكلاكلة، واختلف ذات يوم مع جاره في شئ ما، واستنجد الجار بالشرطة، وجاءت دورية نجدة وعمليات وأطلقت الرصاص على الشيخ الثمانيني وأراده قتيلا..وأصدرت الشرطة بيانا صارخا : ( كان مجنوناً).. ولم يكن مجنوناً، ومع ذلك فلنقل كان كذلك، فهل هذا يبرر للرصاص زهق روح؟..ثم، بتاريخ 28 فبراير، وجهت المحكمة تهمة القتل العمد لمن أطلق الرصاص القاتل على الشيخ أحمد.. وجلسة الغد احدى جلسات المحاكمة المستمرة، أي الجنون الذي برر به بيان الشرطة ما حدث لم يعد له وجودا في سوح العدالة..ومع ذلك، ليس فقد عزيزهم فحسب، بل وقع ذاك البيان هو الذي لايزال يؤلم أسرة وأهل المرحوم أحمد..ولم ولن تعتذر الشرطة …!!
** وهكذا السيناريو أيضاً في مأسأة أسرة المرحومة عوضية .. نعم، إن كان فعل الرصاص في جسد وروح عوضية مؤلماً، فان وقع البيان الذي صدر عقب الرصاص كان ولايزال أشد إيلاماً وأعمق جرحاً..فالرصاص قتل عوضية فقط، ولكن وقع البيان يقتل الأسرة كلها، والأهل جميعا، بل وقعه يقتل قيم المروءة في الأرض..وقالها والي الخرطوم في صيوان العزاء، ثم كررها وزير الداخلية، يوم المأسأة، أى قبل أسبوع إلا قليلا: ( سوف نصحح البيان ونعتذر)..ومع ذلك، الى يومنا هذا، كان ذاك البيان، ولايزال، هو (الأول والأخير)..العزة بالإثم ليست من خصال الأسوياء، فليف الوالي ووزير الداخلية بوعدهما، ولتعد الشرطة لأسرة عوضية ولأهلها – بل لكل أهل الأرض – تلك المروءة التي قتلها ذاك البيان، وذلك ببيان آخر تقول فيه الحقيقة بكل وضوح ( لقد أخطأنا، وها نحن نعتذر)..هذا ما يجب أن يحدث قبل الحديث عن رفع الحصانة و المحاكمة، ما لم تكن العزة بالإثم نهجا..!!
** أخيرا.. ما يجب أن يتذكره والي الخرطوم ويستدركه وزير الداخلية ويحدق فيه مدير عام الشرطة، بكل ولاة الأمر، هو : شرطية باطشة كانت تلك التي أشعلت نار الغضب بتونس، وشأباً عذبته أجهزة القمع حتى مات هو الذي أشعل نار الغضب بالقاهرة..فالشعوب قد تحتمل الجوع حيناً من الدهر، ولكنها لاتحتمل أن تهان كرامة أفرادها باسم الدين أو الوطن أو القانون..وعليه : ليست الشرطة التي تنفذه بأوامر الساسة، بل هذا القانون المسمى بقانون النظام العام يجب يذهب الى مزبلة التاريخ غير مأسوفاً عليه..نعم، النهج السياسي الذي يصيغ قانوناً ينتهك كرامة البشرية – مرأة كانت أو رجلا – هو ما يجب نقده، وليس عبد المأمور الذي ينفذ القانون..نهج سياسي ردئ، يستر فساد سادة السلطة بقانون (فقه السترة)، وينتهك أعراض العامة والبسطاء ويزهق أرواحهم بقانون (النظام العام )..على نواب البرلمان والمجالس التشريعية أن يعلموا بأنه ليس من الإسلام – ولا من مكارم الأخلاق – أن يكون المواطن متهما حتى يثبت براءته، أوهكذا( نهج قانون النظام العام)..!!
[/JUSTIFY]إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]