هنادي محمد عبد المجيد

خطأ لا يصح التورط فيه

خطأ لا يصح التورط فيه
القارئ العزيز : النص التالي هو رؤية فكرية موضوعية علمية جاد بها يراع المفكر المصري الدكتور مصطفى محمود ، بعد أن نشبت حرب الخليج التي فجرت بعدها كل أحداث المنطقة ولم تتوقف حتى الآن ، وهو مقال سياسي
ذو أبعاد وشجون لك أن تتأمله جيداً فتعي محتواه بذهن منفتح وقلب واعٍ رشيد ، وقد اخترت هذا النص تحديداً لأنه يعبر ويصف الفترة الراهنة ومستقبل الوطن العربي ، وفيه أيضا رؤية لحاضر وطننا السودان بالذات ،، وإليك مضمون المقال : ” الزج بالإسلام في حرب مع الغرب خطأ لا يصح الوقوع فيه ، فالإسلام ليس عدواً للغرب ولا للشرق ، وهو لم ينتشر بالسيف ، بل بالقدوة الحسنة والموعظة الطيبة ، وهو قد هادن أعداءه وحالف خصماءه وعقد المواثيق مع المشركين واليهود ليتجنب حروبا لا جدوى منها ،، وهو لم يقاتل إلا الذين قاتلوه ونكثوا عهوده ، والإسلام يبدأ الكل بالسلام ، ويفضل الحوار ويختار سبيل الحكمة ، ولا يقاتل إلا مُكرهاً ، ولا يُقدِم على الحرب إلا بعد إعداد ، فأين نحن من هذا ؟ !! ونحن إلى الآن نأخذ من الغرب السلاح والقمح والغذاء والعلم والطب والكيمياء والطبيعة والفلك والفضاء والتكنولوجيا والصناعة والزراعة والهندسة الوراثية والكمبيوتر ، ونحن ما زلنا نتعلم في جامعاتهم ، ولم ينته دور التلمذة عندنا بعد ، بل ان جامعاتنا مازالت تأخذ عنهم ، ونحن أقل إسلاماً مما ندعي بكثير ، فالإسلام دين العلم والعمل ومكارم الأخلاق ، وهو دين العقل والحكمة ودين الحوار بالحُسنى ، ودين التعامل بالمعروف ،، وأين نحن من كل هذا إن الله لن يهدي بنا أحدا ونحن غير مُهتدين !
وهو لن يصنع لنا تاريخاً على هوانا ، ونحن مازلنا نعيش في عصر الأحقاد والتارات والأمجاد الشخصية والأهواء الجامحة،، إن استدعاء الإسلام إلى المعركة له شروطه ، وشروطه لا تتوافر في تلك الشرزمة الباغية التي بيدها الراية الآن ، والبترول هو شأن عام وليس شأنا عربياً وان صادف وجود أكثره في بلاد عربية .. ثم ان الحفر على هذا البترول كان بعلوم أمريكية ، كما أن استخراجه من باطن الأرض كان بعلوم أمريكية ، وكذلك كانت المصافي بتكنولوجيا أمريكية ،ومصانع البتروكيميائيات بهندسة أمريكية ، وأخيراً وفي لحظة عجز عربي كامل تقوم بالحماية والدفاع جيوش أمريكية !! فماذا بقي للعربي ليناقش الوجود الأمريكي من عدمه
– هكذا يفكر الأمريكي بأسلوبه – وطبيعي جدا أن تخطط أمريكا مستقبلاً لكي تعود السيادة على تلك الآبار إلى يدها .. فهذا من وجهة نظرنا أفضل من أن تظل في أيد عربية يقاتل بعضها بعضاً في حروب قبلية ربما انتهت إلى نسف تلك الآبار وحرمان الكل منها .
وإذا كان هناك لوم فهو يقع على العرب جميعهم بلا استثناء ، فلا جامع لهم ولا وحدة ولا اتحاد .. وهم ليسوا سواء على إسلام وليسوا على علم .. وهم مازالوا طوائف وفرقاً متنابذة ، والمتحضرون فيهم أفراد ، والمتعلمون أفراد، والعقلاء أفراد ، والمسلمون أفراد .
ورغم ثراء هذه الأمة في مجموعها ، فإن جيوشها ليست على مستوى ثرواتها ، وسلاحها ليس على مستوى تعدادها .. والأموال التي كان يجب أن تنفق على الدفاع وإعداد الجيوش ، أنفقت على بناء القصور والترف وموائد القمار في مونت كارلو ولاس فيجاس ، وعلى تكديس المليارات من الأرصدة العاطلة في البنوك .
وإذا كان الله قد سخر للعرب اليوم من يحميهم من أنفسهم فإنها لن تكون حماية بلا ثمن ،، والخطر الأكبر على المنطقة الآن سوف يأتيها من حاميها نفسه .. سوف يأتيها من الإستقطاب الذي حدث في القوى الكبرى التي تحكم العالم ، فبعد أن كان العالم الثالث يعيش تحت مظلة آمنة من صراع القوتين الأعظم روسيا وأمريكا ، ومحاولة كل منهما أن تكسبه إلى صفها ، رأينا العملاق الشيوعي يسقط بالضربة القاضية ، ورأينا أمريكا تصبح لأول مرة قوة منفردة ، وتتحول إلى الشرطي الوحيد صاحب العصا الغليظة التي ترهب الكل ، وهو أمر جديد تماما ، فمنذ أن خلق الله الأرض وهو لم يترك أمرها ولا مصيرها في يد منفردة .. حتى في أمم النبات والحيوان ومخلوقات البكتيريا والطحالب والفطر والكائنات الدنيئة .. لقد كانت سنة الله التي لا تتبدل هي أن يجعل ناموس الخلق يدور على التوازن بين قوى متضادة ، والتقدم يحدث بأسلوب جدلي بالصراع المتنامي بين تلك القوى دون أن يجعل قوة واحدة تنفرد بالجميع .
لقد وضع في وقت ما الحلفاء في مواجهة ألمانيا ، ثم وضع الصين في مواجهة روسيا ، ثم وضع روسيا في مواجهة أمريكا في توازنات دقيقة محسوبة تماماً ، كما فعل في أمم الحيوان ، فوضع القطط أمام الفئران ، والضفادع أمام الحشرات ، والتماسيح أمام الأسماك في توازن محسوب يسمح بالصراع ولكن لا يسمح بإفناء أي طرف للآخر ..وهكذا ظلت الغزلان والحملان الضعيفة والفراشات الواهنة تعيش إلى جوار الذئاب والأسود والنمور والضباع والعناكب والعقارب والنسور والصقور رغم ثلاثة آلاف مليون سنة من الصراع الدامي في حرب البقاء ، فكيف حفظها الله طوال تلك الآلاف من ملايين السنين بلا مخلب وبلا نياب ، إنها تلك المظلة المحكمة من التوازنات الدقيقة بين كافة القوى المتصارعة .. فقد جعل الله لكل قوي جبار أقوى منه يأكله ، واليوم نرى بداية عصر جديد تنفرد فيه أمريكا بالسيطرة على مصائر كوكب الأرض بدون منازع ، ونراها تدفع بالحوادث على مُرادها ، تُحرِّك مجلس الأمن وتسوق هيئة الأمم المتحدة ، وتقوم بتأديب كل من يخرج على الخط .. فتقوم بحملة تأديبية على ليبيا ، ثم حملة تأديبية أخرى على بنما ، ثم ترينداد ..إلخ .. إذن هو استقطاب خطير ، وانفراد بمقدراتنا له عواقبه ، ولا أعرف كيف سيعمل ناموس التوازن الإلاهي في الأجيال القادمة ، وفي الصراع القادم بين الشمال الغني والمسلح والجنوب الفقير والأعزل .. ولا أعلم بأي وسائل ستعمل مشيئته ،، وأعتقد أن الأيام القادمة تحمل المفاجآت ، وأن خريطة القوى ستتغير ،ولا أدري كيف ستعود الثنائية الجدلية إلى عملها ، وكيف سيحمي الله ضعفاء خلقه ، ولكن سنن الكون تسير بإضطراد ثابت ، والله لن يغير قوانينه خوفاً من البنتاجون ! ولكن ،، أَهُمُ الآن فجأة رُسُل الإنقاذ السماوي وحماة الفضيلة وملائكة الرحمة الذين جاءوا لنجدة العرب من شر العرب ؟!! أم لأنها هذه المرة حرباً للعرب ضد العرب ، فيا أهلاً بها ومرحباً ولتشتعل أكثر وأكثر ولتكن أكثر ضراماً وأشد لهيباً وليشارك فيها الشامي
والحلبي والمغربي والمسلم والنصراني والدنيا كلها ،، وساحة الحرب هذه المرة هي مستودعات نفط العالم .. إن الحرب ليست نُزهة ولا رحلة ترفيهية ، أسلحة الدمار الشامل جعلت من الحروب أهوالاً ، والذي يدخل حروب اليوم لا يستطيع الخروج منها سالماً مهما حالفه النصر .. وفن السياسة هو فن تجنب الحرب ، وهو فن الحصول على مطالبك بدون إراقة قطرة دم ، وجميع حُكَّام الدول العربية يعلمون ما الحرب ويعرفون عواقبها ، وهم يحاولون تجنُّبها جهد الإستطاعة .
ان الحرب لن ترفع ظلماً ، بل سوف تجعل الظلم ظلمات وسوف توزع جرعة العلقم على الكل وسوف تغيِّر خريطة المنطقة لصالح الأقوياء ، والمستقبل في ظل الحرب مبهم ، وهو بعد الحرب لن يكون في صالح الضعفاء أبداً ، والضعفاء الذين يتصورون أن الحرب تشتعل من أجلهم هم البسطاء ،، وكل دولة ستدخل الحرب ستدخلها لمصلحة ،، ولا دخل للإسلام في الموضوع ، والذين يستدعون الإسلام إلى المعركة يحاولون أن يستروا به أطماعهم أو أحقادهم .
هكذا أصبحت العراق وايران واليمن والسودان والمنظمات الفلسطينية وتونس وليبيا والجزائر وموريتانيا والأردن صفاً إسلامياً في مواجهة صف اسلامي آخر من السعودية ومصر والكويت وسوريا والإمارات العربية وسلطنة عمان والمغرب وباكستان والسنغال ! فتنة كبرى لم يحدث مثلها في التاريخ ، ومذبحة شاملة لن تعود بعدها الخريطة العربية إلى سالف عهدها أبداً .. إن المسرح يُعدُّ ويُمَهِّد لجريمة تاريخية ، ليست قتل صدام والخلاص منه ، فالرجل قد انتهى ، وإنما لإستئصال شأفة الوحدة العربية والقومية العربية من الجذور فلا يجتمع العرب بعدها على شيء ولا تعود لهم عُصْبَة ، ولا يبقى منهم إلا أسماء متفرقة يضرب بعضها بعضاً ، مثل المصري والسوري ، والسعودي واليمني ، والقطري والكويتي ، والليبي والمغربي والتونسي ،، ولن تكون الحرب إذا قامت واستُخدمت فيها الترسانة الأمريكية والسلاح العربي وصواريخ وطائرات كافة الدول المشتركة، لن تكون إلا خراباً عاماً وتحطيماً لإقتصاديات وصناعات ومجتمعات الدول العربية ، وبشرى لإسرائيل بأن ترث هذ الخراب وتُثبِّتْ أقدامها على أطلاله إلى قيام الساعة ،، ذلك هو التخطيط المستمر للسيطرة على المنطقة ، كل الفارق أنهم كانوا دائما أذكى ، وأنهم كانوا يعرفون كيف يُغلِّفون أعمالهم بغلاف من الشرعية ، وكيف يسوقون المبررات والمعاذير ، وكيف يصنعون لكل شيء منطقاً ،، بل كلهم أذكياء يعرفون كيف يكون غسل الأيدي ، وكيف يكون محو البصمات بعد كل عمل ، وكيف يكون شراء العملاء ، وكيف يكون شراء الدول ، وكيف تُصنع الصفقات الكبرى وراء الكواليس عبر كؤوس الشمبانيا وعبر الإبتسامات الدبلوماسية ! ”
هنا جاز لنا أن نتساءل ،، حتى متى نرفل في غفلتنا ونحن نعلم تمام العلم ما يدور حولنا ، والغفلة التي أقصد الإستكانة والتسليم المستميت الذي نمارسه بكل رضى ،
هل ننتظر رضاهم عنا أو أننا نتوقع أن نجد منهم رحمة وشفقة ؟ كل هذه أوهام لن تحدث ، وما حدث للعراقيين خير مثال ، لذلك لا تهنوا وتستكينوا وأنتم الأعلون ، لأننا كمسلين وُهبنا التميز عن سائر الملل والنحل وعُلِّمنا كيف نكون الأقوى والأجدر ومُلِّكنا مقومات القوة والنصر ، فلنثق في معطياتنا ونترك الهوان جانبا فهو لا يليق بنا ،، يا هل ترى قد خطر على قلب هذا المفكر أن تُنتَهر دولة قطر وتُهدَّد بنسفها من الوجود إن لم يلتزم المتحدث الرسمي بإسمها إلتزام أسلوب الخضوع والخنوع في حضرة ممثل روسيا صاحبة حق النقض ( الفيتو) ؟

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]