عبد اللطيف البوني

ولوة في الربيع العربي


[JUSTIFY]
لولوة في الربيع العربي

عندما دخلت ميدان التحرير أحد أكبر أسواق صنعاء في أول زيارة لي لليمن في عام 1995 مررت بأحد الباعة وهو يفرش في بضاعته على الأرض وهي عبارة عن ملابس جاهزة فمر به أحد (المتحاوين) في السوق ووصف بضاعته بأنها مستعملة وهو سائر في طريقه دون أن يلتفت حتى فرد عليه البائع قائلا أنتم يحكمكم الشاويش علي عبد الله صالح والله الملابس المستعملة دي ذاتها كثيرة عليكم ثم طفق يهاجم في الرئيس صالح بمترادفات قاسية فهمت بعضها ولم أفهم البعض بحكم عدم معرفتي التامة باللهجة اليمنية ساعتها والذي حيرني أن البائع كان يسيء للرئيس دون أن يرفع رأسه ودون أن يتوقف عنده أحد فالحكاية بالنسبة للجميع عادية أما أنا كسوداني ليس في الأمر عجب كبير ولكن بالمقارنة مع دول عربية أخرى ففي الأمر عجب.
من الملاحظات الأخرى التي استوقفتني في الشارع اليمني هو عدم احترام رجل الشرطة لا بل اضطهاده والنظر له بدونية ومن المؤكد أن هذا أمر سلبي ومدعاة للفوضى ولكن في اليمن مكانة الدولة تأتي بعد القبيلة فالمواطن يعتمد في أمنه على سلاحه (الجنابية) وهي خنجر مربوط في وسطه لا بل يمكنه أن يحمل سلاحه الناري نهارا جهارا وعلى عينك يا تاجر فالأسلحة النارية والذخيرة تباع في الأسواق بشكل عادي بعض زعماء القبائل لديهم دبابات ومصفحات والذي منه.
قصدت من القول أعلاه أن الدولة في اليمن أبعد ما تكون عن أنها أداة قمع لا بل وجودها ضعيف جدا ويكذب من يقول إن في اليمن سجناء رأي أو سياسة أو معتقلات أو سجون فحرية التعبير على قفا من يشيل وكذا حرية التنظيم ولكن عدم فاعلية الدولة أدى الى ظهور الفساد المرتبط بالسياسة فالحاكم استفاد من الفوضى الإدارية أو حتى عدم وجود الضوابط والقوانين المنظمة للتعامل فعاث في الأرض فسادا ومحسوبية ورشوة ويكفي أن صالح وأبناءه يسيطرون على الجيش ومبيوعاته ولعل آخر مظاهر فساد صالح أنه باع ميناء يمني كامل بمبلغ سبعمائة مليون دولار ولمصلحته الخاصة.
ومما تقدم يمكننا أن نفهم أن الربيع العربي في اليمن والذي تجلت فيه روعة هذا الشعب العظيم الذي وضع فيه سلاحه الذي كان يحمله كل الوقت جانبا وتلقى رصاص الدولة التي كانت غائبة من قبل فهذا الربيع العربي في اليمن كان من أجل المؤسسية ومن أجل محاربة الفساد أي من أجل إقامة دولة القانون وليس من أجل الحرية تعبيرا كانت أم تنظيما. لقد قدم الشعب اليمني تضحيات جسام وفي ثورة امتدت لأكثر من عام ولكن للأسف سرقت ثورته كما سرق الكحل من العين فحدث تبديل في القيادة وليس تغيير فعبده ربه منصور هادي من رجالات صالح وتسلم منه الحكم بعد انتخابات كان هو مرشحها الوحيد قبل بها الثوار حقنا للدماء وبعد أن أصابهم الإرهاق فقد تأكد لهم أن العالم والإقليم من حولهم لا يريد ثورتهم فقنعوا من الغنيمة بالإياب. ولعل نتيجة الربيع العربي في اليمن قد تكون أفضل من غيره باستثناء تونس ويكفي أن ليبيا قررت دعم ثوار سوريا بالسلاح بينما إقليم برقة يطالب بفدرالية اعتبرها عبد الجليل دعوة للانفصال وفي مصر انظروا لما يحدث بين المجلس العسكري والبرلمان فيا ميلة بختك يا أمة العرب وأنتِ تختارين بين السيء والأقل سوءاً وهذه قصة أخرى.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]