الحريات الأربع … العرش قبل الجدران ..!!
ما عاد بها الوفد الحكومي من أديس قضية فرضت ذاتها على أرض الأحداث وجمدت كل القضايا الي حين، ومنها قضية المجلس القومي للتدريب التي وعدتكم بالمواصلة فيها..اتجاوزها اليوم لكي لايصبح حال الزاوية كذاك الذي يتلقى سؤالا إستنكارأ من شاكلة (إنت في شنو والناس في شنو؟)..فالحريات الأربع التي عاد بها الوفد الحكومة غزت مجالس الناس وخطب المنابر، وفيها يختلفون ما بين الرفض والقبول..عودة الوفد بهذه الحريات تذكرني بإحدى لطائف المساومات ، إذ يحكى أن أحدهم إستدان مليونا من جاره وعجز عن إسترجاعها، فلاحقه الجار حينا من الدهر حتى أصابه اليأس والحزن..علم صديق الجار بماحدث، وسأله ذات يوم وهو في قمة اليأس والحزن: ( يازول لو قلعت ليك مليونك من جارك، تديني منها مائة الف ؟)، فوافق سريعاً ثم وكله بالملاحقة.. فارقه الصديق، ثم عاد اليه بعد شهر، ليبشره ( ياخ جارك دا صعب شديد والله، وغايتو بعد تعب قدرت اقلع ميتي ، يلا بعد دا حاول براك اقلع التسعمية حقتك)..ولك أن تتخيل رد فعل الجار اليائس..!!
**وما تخيلته هو تقريبا رد فعل الشارع السوداني عندما عاد الوفد الحكومي المفاوض من أثيوبيا بالحريات الأربع..فالشارع السوداني لم يكن ينتظر تلك الحريات على أحر من الجمر، بل كان ولايزال ينتظر اتفاقاً حول قضايا أساسية صارت آثارها تؤرق مضاجع الناس والبلد، ومنها قضيتي النفط والحدود..لم يحدث أي إختراق في قضية النفط، ولم يحدث أي إختراق في قضية الحدود، وهذه القضية وتلك هما هاجس الشارع السوداني الذي بمثابة مليون ذاك الجار..وربما لكي لايعود بخفي حنين، عاد الوفد الحكومي الى الشارع السوداني متأبطأ الحريات الأربع بلسان حال قائل ( ياخ جاركم دا صعب شديد، غايتو أنا بعد تعب قدرت اقلع المية حقتي)..مثل هذه الحريات – أربعاً كانت أو أربعمائة- بحاجة الى علاقة حسن جوار بين الدول والأنظمة، لكي تصبح واقعا على أرض الناس..وعلاقة السودان بجنوب السودان ليست كما العلاقة بين دول الخليج، وليست كما العلاقة بين دول الاتحاد الاوروبي، و ليست حتى كما العلاقة بين مصر والسودان..بل تلك العلاقة، منذ يوم إعلان الإنفصال ثم الإعتراف به وحتى يومنا هذا، هي علاقة حرب غير معلنة..!!
** نعم، فلنواجه أنفسنا بالحقائق، بدلا عن دفن الرؤوس في الرمال..بدعم للتمرد من هنا وبدعم للتمرد من هناك، وبقصف جوي من هنا وبغزو أرضي من هناك، وبخطاب متطرف من هنا وبخطاب متطرف مضاد من هناك، كان – ولايزال – مناخ العلاقة السودانية الجنوبية مشوباً بالمواجهة غير المعلنة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وكذلك بالمواجهة غير المعلنة في المناطق التي تحت سيطرة قوات أطور التي فقدت أطور ولكن لم تضع السلاح بعد..وعليه، ( بالعقل كدة )، كيف تستقيم تلك الحريات الأربع في مناخ كهذا يا أولي الألباب؟..نعم، فالحرب بين السودان وجنوب السودان – دعماً بالسلاح كان أو دعماً بالكلام – لم ترحل بعد.. ومن شروط الحريات الاربع في الدول التي تعمل بها، توافق الأنظمة وتصالح السياسات..هل نظامي السودان والجنوب على توافق أو تصالح مع بعضهما، بحيث ينعم مواطنهما بنعم الحريات الأربع ؟.. لا، فالحركة الشعبية تدعم عدم استقرار السودان، وكذلك المؤتمر الوطني يدعم عدم استقرار الجنوب .. وعليه، لن يهنأ المواطن – سودانياً كان أو جنوبياً – بتلك الحريات، ما لم تصبح العلاقة بين الحكومتين (سمن على عسل)، وليس (نزاع حدود على نزاع نفط)..!!
** فليعترف الوفدين، السوداني والجنوبي، بأن ماحدث بأديس أبابا لايختلف كثيرا عن ( محاولة تعريش منزل لاجدران له)، وهذا ليس من حسن التفكير..إذ كيف يُقيم المواطن الأجنبي- هنا أوهناك – مطمئنا، بيد أن المناخ السياسي بين البلدين ملبد بغيوم الصراع حول الحدود والبترول، وينذر بمطر المواجهة في أية لحظة؟..وكيف يتحرك المواطن الأجنبي – هنا وهناك – مطمئناً، بيد أن حدود الدولتين التي يجب تجاوزها بأمان تدور فيها المعارك ؟..نعم لتلك الحريات الأربع، بل نعم لكل أنواع الحريات ولوكانت أربعمائة، ولكن أين الأرض التي تنبت فيها تلك الحريات؟، وأين السماد الذي تفرهد به تلك الحريات؟، وأين المياه التي تروي تلك الحريات؟.. للأسف، لم يرجع الوفدين من أديس إلا بالبذور، بمظان ( نزرع علاقة شعبية كويسة)، بيد أنهما جهلا أو تجاهلا الأرض والسماد والمياه، أي المناخ السياسي النقي والخالي من المؤامرات..قضية الحدود هي الأهم للشعبين والبلدين يا عالم ، ثم قضية البترول، وما لم تجدا حلا جذريا وعاجلاً بحيث يوفر ذاك المناخ السياسي المرتجى، فان على الوفدين وضع ورقة الحريات الأربع في جردل ماء ، ثم يتجرعانها – على الريق – كوباً تلو الآخر..أوهكذا لسان حال الواقع المؤلم، حاليأ ولاحقاً..!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]