الطاهر ساتي

أزمة بلدين.. الدموع ليست حلاً ..!!

[JUSTIFY]
أزمة بلدين.. الدموع ليست حلاً ..!!

فريق يرفضها بتطرف غريب، وآخر يحتفي بها بتطرف أغرب..أي ما آل إليه حال ما يسمونها بالحريات الأربعة في المنابر لم يعد يسر المواطن المغلوب على أمره والمستهدف بتلك الحريات..وليس في الأمر عجب، إذ هكذا دائما أصحاب الرأي في بلادنا، بحيث الأشياء عندهم لا تحتمل الضد وكذلك غير قابلة للتحديق المتزن والتناول المعتدل..وكما ترون أن البعض أعلنها حرباً على الوفد الحكومي المفاوض، وقيل إن عضو الوفد إدريس محمد عبد القادر بكى من وطأة هجوم خطيب مسجد الفتح على الحريات الأربعة، وبرر للمصلين دواعي هذا الاتفاق وشرح محتواه، ثم نفى عن نفسه ورفاقه تهمة العمالة والخيانة وغيرها من التهم التي انهمرت عليه من خطبة الشيخ طنون..ولا يزال إدريس يشرح ويبرر وينفي للرافضين بتطرف، ولا أدري إن كان لا يزال يبكي أم بكاء تلك الجمعة يكفي، علما بأن البكاء ليس حلاً..وهناك أيضاً يحتفي البعض الآخر بالحريات الأربعة بذات التطرف، ويرى فيها الحل الناجع لكل أزمات البلدين، ويهاجم الرافضين ويصفهم بدعاة الفتنة والعنصرية وغيرها من الموبقات..هكذا يغيب التناول الموضوعي لما عاد به الوفد الحكومي، بحيث طغى على سطح الإعلام جدال إحدى مساطب دار الرياضة في مباراة قمة ملتهبة، ولله في تناولنا لقضايا الناس والبلد شؤون ..!!
** على كل حال، فلندع هؤلاء وأولئك يتطاحنون فيما بينهم بالشتم والسب واللعن حتى يعلموا أيهما تلد الأخرى، (البيضة أم الدجاجة ؟).. ونمشي لي قدام، أي وصلا لما سبق أرى أن هذه الحريات ليست بفاجعة إذا توفرت، أو كما يظن الفريق الرافض، ولن تتوفر..وكذلك هي ليست بعصا موسى بحيث تحل كل أزمات البلدين، أو كما يظن الفريق المحتفي بها..لا ياسادة ياكرام، إذ هذا الاتفاق الإطاري كان ولا يزال محض تخدير لتلك الأزمات، وكذلك مراد به حفظ ماء وجه الوفدين والوسطاء، بحيث لا يقول العالم (لقد فشلوا جميعاً).. أي كل حرية من تلك الحريات بمثابة غطاء يدثر عجز طرفي الصراع – وكذلك عجز حكماء إفريقيا – عن إحداث اختراق حقيقي في (الملفات الشائكة).. إقامة الأجنبي – سودانياً بالجنوب كان أو جنوبياً بالسودان- ليست بملف شائك بحيث يستدعي حله تدخل الأجاويد، وكذلك العمل والحركة والتملك، كل هذا مقدور عليه في حال تجاوز أم الأزمات المسماة بقضية الحدود..!!
** هل أبيي سودانية بحيث يقيم ويتحرك ويعمل ويمتلك فيها السوداني بدون اتفاقيات و(قومة نفس)، أم هي جنوبية بحيث يقيم ويتحرك ويعمل ويمتلك فيها الجنوبي بدون بروتوكلات و(أجاويد)؟.. تلك – على سبيل المثال – هي الأزمة الجوهرية ، وأي اتفاق حولها يستحق الجدل الحقيقي (رفضأً أو قبولاً )، وتجاوزها بالحل المتفق عليه هو المفتاح لحل بقية الصغائر، حرية إقامة كانت أو حرية العمل.. نعم، أبيي وبقية المناطق الحدودية التي ذكرها الفريق سلفاكير في خطابه الأخير مصحوباً بعبارة (لن نفرط فيها)، هي الملف الشائك.. ولكن الوفد العبقري الذي ذهب لحل ذاك الملف – وكذلك ملف البترول – عاد بخفي حنين، متأبطاً ما أسماها بالحريات الأربعة، ليشغل بها الناس والإعلام..ومع ذلك، أي رغم أن الوفد الحكومي لم يعد بما كان ينتظره الشارع السوداني، بل عاد بالسراب المسمى بالحريات الأربعة، فلنقرأ تصريح نائب رئيس الجمهورية، حيث قال بالنص قبل أن يجف مداد الاتفاق ودموع عضو الوفد: (السودان وجنوب السودان لم يتفقا بعد على ملف الحريات الأربعة، ولم يتم تناول الموضوع بالنقاش المستفيض، والتاسع من ابريل ليس يوماً بطرد الجنوبيين، وإنما هو تاريخ خاص بتوفيق أوضاعهم، وسيتم التعامل مع الجنوبي بعد هذا التاريخ باعتباره أجنبي)، هكذا حديث نائب الرئيس..!!
** أها، حتى الحريات الأربعة – التي في قبولها ورفضها تتطاحن الأقلام – تحولت بين ليلة وضحاها الى ( بحاجة الى نقاش مستفيض).. والنقاش المستفيض هو اسم الدلع الحكومي (للولوة واللكلكة)، ثم التنصل ( زي الما حصل حاجة).. وهذا ليس بمدهش ولا معيب في موقف كهذا، بل المدهش والمعيب هو أن يتوقع المواطن – سودانيا كان أو جنوبياً – حرية تجاوز نقاط حدود غير متفق عليها.. وبالمناسبة، لقد اكتمل طريق الساحل بشرق السودان قبل عام ونيف، وهو الطريق الذي يربط السودان بمصر، ومع ذلك رغم أنف الحريات الأربعة – لم يتم تدشين هذا الطريق القاري الى يومنا هذا.. لماذا؟..ليس هناك ما يعيق التدشين، غير أن وضع حلايب السودانية في هذا الطريق كما وضع أبيي وأخواتها الأربعة في أي طريق يربطنا بالجنوب ..أها، برضو تقول لي حرية حركة في حدود ملتهبة؟.. وعليه، واقع الحال غير قابل للخداع والتخدير، وهو الواقع الذي يمد لسانه ساخراً وصارخاً : لن يهنأ السوداني والجنوبي بأية حرية ما لم تتحرر الحدود والبترول من قيود الأزمة..هكذا الواقع، فكفى تخديراً ودموعاً..!!
[/JUSTIFY]

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]