(زيتنا) الفكري في (بيتنا) السياسي (2)
بالأمس توقفنا عند كتاب الدكتور حيدر إبراهيم علي (التجديد عند الصادق المهدي الاشكاليات والاختلالات) والذي كرسه لرفض كل تجديدات الصادق في الفكر الاسلامي من منظور فكري ووصفها بالتناقض وعدم العمق وانها مجرد توظيف للدين لغايات سياسية. ونتوقف اليوم عند تناول البروفيسور عبدالله علي إبراهيم لمشروع الترابي التجديدي ومصدرنا هنا حلقتان تلفزيونيتان اجراهما الدكتور الجيلي علي البشير مع البروف عبدالله بقناة الشروق، اذ لم اطلع على الورقة الاكاديمية التي كتبها البروف في ذات الموضوع وآمل ان يتم ذلك قريبا وقد عبرت عن سعادتي بتوفر اثنين من اكبر المفكرين والاكاديميين السودانيين لدراسة انتاج اثنين من اكبر المفكرين السياسيين السودانيين فهذا العمود والذي قبله مجرد تثمين لهذا الجهد الا فالدراسة الفكرية الجادة تحتاج لحيز اخر.
البروفيسور عبدالله لم يكتف بمراقبة سلوك الترابي السياسي والاطلاع على انتاجه الفكري فقط انما سعى للاقتراب منه وجالسه وحاوره فيما يبدو لفترات طويلة فتعرف على مصادر فكره الديني والسياسي ابتداء من نشأته الاسرية ثم مسيرته الاكاديمية والسياسية وهذه الأخيرة قد عايش البروف عبدالله معظمها من موقع الخصم، ولكن تجرد عن هذا الامر واقبل على الترابي بذهن مفتوح وبالتالي وصل إلى نهايات ليس فيها اي تحامل على الترابي، لا بل قال في نهاية الحلقة الثانية ان خصوم الترابي من علمانيين ويساريين قد فوتوا على انفسهم فرصة عظيمة بعدم اقترابهم من معرفة افكار الترابي التجديدية وفي هذا وصل البروف عبدالله درجة استدعى فيها مقطع شعر شهير لصلاح أحمد ابراهيم (كل خيرات الارض,, والنيل هنالك,, ولكن مع ذلك,,, مع ذلك) اي شبه الترابي بالنيل.
يقول البروف في الترابي انه دخل عالم السياسة بعد نضج واختار وسيلته بعد تدقيق وقد كان مدركا لهول الطريق الذي سار عليه وقبل التحدي فالترابي صوب نظره للدولة ورأى فيها الوسيلة والغاية رافضا بذلك كل الذين سبقوه من المفكرين الاسلاميين الذين يصرون على تربية المجتمع لتأتي السلطة طائعة مختارة. فالترابي حداثي دون علمانية ومسلم دون مهدية او صوفية فلديه رأي سلبي في فكرة المهدي وفي مشيخة الطرق الصوفية التي تقوم على التربية فقط وفي المؤسسة الفقهية اي طبقة رجال الدين، ورغم ان الترابي سليل تعليم اكاديمي غربي عالي داخل السودان وخارجه في لندن وباريس وزيارات لامريكا ركل فكرة ان يكون افنديا من افندية السودان الكبار، إذ لم يمكث في منصب عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم إلا اشهر معدودة، وذهب لحقل السياسة ليبدأ من الصفر، وسار في ذلك الدرب الوعر إلى ان وصل ما وصل اليه.
لم تخلو دراسة البروف عبدالله لفكر الترابي ومسيرته السياسية من انتقاد لبعض مواقفه السياسية وذكر من ذلك تأييده لتطبيقات النميري للشريعة الاسلامية والتي جاءت مغايرة لفكر الترابي وخارطة الطريق التي رسمها لنفسه وحزبه فدخل بذلك في لزوم ما لايلزم وبدا لي ان هناك انتقادات اخرى في الورقة لم يتم تناولها في التلفزيون. دون شك سوف تكون دراسة البروف عبدالله للترابي خير معين للترابي للتمعن في مسيرته السياسية والفكرية الطويلة وهذا نفس مافعله الدكتور حيدر للصادق وليتنا جميعا كسودانيين اقتربنا من بعضنا في نقاش فكري راق كالذي فعله الاساتذة وذلك من اجل ترقية الحياة السياسية والفكرية في هذا البلد المنكوب بايدي ابنائه.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]