في رحيل رجل صالح
ذكرتها في حينها وكررتها ولكن اليوم جاء يوم ذكرها الحقيقي فهي قد حدثت في 1986 والحملة الانتخابية في أشدها فأجرى التلفزيون مناظرة بين نقد والترابي والصادق جمع بينهم في المونتاج إذ طرح الأسئلة الموحدة لكل واحد على حده ثم عرض الإجابة على كل سؤال بالتتابع وصادف أن شاهد هذه الحلقة عمّا لنا يعمل مزارعا ولم يكن له كثير اهتمام أو دراية بالعمل الحزبي ولكنه اندمج مع الحلقة وفي منتصفها علق قائلا إن هذا الرجل من أهل الله مشيرا الى نقد فسئل ماذا يقصد فقال إنه رجل صالح أي فيه بركة فقيل له هل تعلم أنه سكرتير الحزب الشيوعي؟ فقال إنه لا يعلم ولا يريد أن يعلم ولكن (بس الزول دا من أهل الله الزول دا زول صالح)
في تقديري أن ذلك الرجل حكم على نقد من طريقة كلامه فهو على العكس من الترابي والصادق كان يتكلم بدارجية مبسطا مضامين كبيرة بالإضافة لنبرته الهادئة ويمكن أن نضيف صدقه فكلامه من القلب الى القلب ولعل هذا كان ديدنه عندما دخل البرلمان في تلك الانتخابات فكان زعيما للمعارضة الديمقراطية وكان الناس ينتظرون كلامه ليستمتعوا ببساطة اللغة وعمق الفكرة فنقد من الرعيل الذي سعى للشيوعية ليس بحثا في الأديان إنما بحثا في أصول الامبريالية وظلم الإنسان لأخيه الإنسان الذي كانت تنتهجه الرأسمالية أعلى مراتب الامبريالية لذلك كان حريا به أن يكون مجسدا للعدالة الاجتماعية في سلوكه وكل ما يصدر منه من قول أو فعل.
قلت للأخ الصديق / ضياء الدين بلال ونحن نخرج من بيت نقد بعد جلسة طويلة تناولنا فيها معه الفطور إن عمنا الذي وصف نقد بأنه رجل صالح لو كان معنا اليوم لما اكتفى بتلك الصفة ولقال إنه ولي من أولياء الله (عديل) فقد غمرنا بمحبة وأريحية لا أود أن أفصل فيها الآن. طلب مني الأستاذ نقد في تلك الجلسة أن أوضح له رأيي في قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 فاستمع لي بإنصات غير عادي وكان يدون بعض الملاحظات ويطرح بعض الأسئلة وبعد أن فرغنا من هذا الموضوع سألته وبعفوية أها رأيك شنو ياأستاذ؟ فرد علي (أصلو أنا بقيت يونس ود الدكيم أشرب البحر براي؟ أنا عندي حزب والحزب عندو مؤسسات وطبعا أي رأي بيطلع من هناك )
قابلته بعدها في جامعة الخرطوم وفي إحدى فعاليات اتحاد الكتاب السودانيين وكان في معيته أستاذي محمد سعيد القدال تغمده الله برحمته وبمناسبة هذا العالم الجليل فقد شرفتني الاذاعة السودانية بتقديم عدة حلقات عن مؤلفاته القيمة , بعد السلام حق الله بق الله بادرني الأستاذ نقد بالقول (يا أخي طولت مني كدا ليه ؟ انت خايفني أجندك ولا شنو؟) فالتقط الكلام استاذنا القدال فرد عليه قائلا (تجند منو؟ دا أكبر رجعي . لكن الغريبة موقفه من المزارعين تقدمي جدا) فعلق نقد (في دي معاك حق) فقلت له طيب ياأستاذ ليه ما قلت لي الكلام دا يوم داك؟ فرد (انت قايلنا نحن بنمرق شهادانا دي بي ساهلة؟) رحمك الله أستاذنا الراحل محمد ابراهيم نقد رحمة واسعة وأنزل شآبيب رحمته على قبرك فقد قدمت لشعبك جرعات من الوعي لا تقدر بثمن.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]