هنادي محمد عبد المجيد
ولي الله الصالح الشيخ ( عبد الرحيم البرعي ) 2
في هذه القرية الصغيرة النائية ولد العارف بالله سيدي الشيخ عبد الرحيم البرعي في العام ١٩٢٣ م ، كان والده الشيخ محمد وقيع الله قُطباً من أقطاب التصوف وشيخا عارفاً بالله تعالى ، وداعياً إلى الله وفق المنهج الصوفي الذي تربى عليه في كنف الطريقة السمانية التي أخذها وتلقى آدابها على يد العارف بالله الشيخ ( عمر الصافي ) ( شيخ الكريدة ) ، وبعد إجازته شيخاً قام بتأسيس مسيد الزريبة – والمسيد كلمة تعني مسجد يتبع له سكن للمريدين والتلاميذ – وفي هذا المسيد مارس الشيخ البرعي الذكر والإنفاق في سبيل الله والتجرد والإخلاص في عبادة الواحد الأحد والدعوة إليه على بصيرة ، وحينما بلغ سن التعليم التحق بخلوة والده طالباً للقرآن الكريم على يد الفقيه ( ميرغني عبد الله )، فكان تلميذاً نجيباً تبدت عليه ملامح الذكاء وقوة الفهم وسرعة الحفظ، واستطاع في وقت مبكر دراسة القرآن الكريم دراسة واعية متعمقة في فهم معانيه ومتابعة أسراره العظيمة التي تتجلى له في أحاديث والده ، وتفسيره للقرآن الكريم ، انتقل الشيخ البرعي إلى دراسة العلوم الدينية مثل : تفسير القرآن الكريم وبعض صحاح كتب السنة النبوية ، وكذلك كُتب الفقه المالكي والسيرة النبوية وغير ذلك من العلوم الشرعية ، وقد أخذ الشيخ البرعي الطريقة السمانية عن والده وتأدب بآدابها وعمل بأورادها ووظائفها المختلفة من قيام الليل وصوم النهار والجد والإجتهاد في طاعة الله تعالى ، ونحى في ذلك نحواً متميزاً آخر وهو الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يتلو كتاب دلائل الخيرات في اليوم الواحد اثنا عشر مرة ، بمعنى أنه يصلي على النبي في اليوم اثنا عشر ساعة يومياً ، ومما حكاه أنه في عهد صباه كان متمسكاً بهذا الكتاب أمام والده فسأله عنه فقال له : ” إنه دلائل الخيرات ” فقال له والده : ” وأين دلائل خيراتك أنت ؟ ” – بمعنى لماذا لا تؤلف أنت كتاباً في الصلاة على رسول الله بدلاً من قراءة مؤلفات الآخرين – وهذا بالضبط ما دعا الشيخ البرعي إلى كتابة المدائح النبوية التي اشتهر بها فيما بعد ، فكتب آلاف المدائح التي لم يسبقه إليها شاعر مديح نبوي من قبل على الأقل من حيث الكم مع التميز النوعي لأشعاره ،، ساعده صغر سنه وقوة شبابه ونظرته الثاقبة وهمته العالية وثقته في الله وإخلاصه في العمل ، على إعداد خطة بعيدة المدى تنفذ خطوة خطوة ليخرج من إطار الزريبة القرية الصغيرة النائية إلى فضاء العالم الرحب .
فبدأ بتطوير مسيد الزريبة وبناء مرافقه بالمواد الثابتة بدلا من مباني ( القش ) البدائية التي كانت تتيحها بيئة المنطقة الرملية القاحلة ، كانت هناك الكثير من المعوقات التي تجعل من فكرة التطوير أمراً مستحيلاً ، نسبة لإنعدام الماء الذي يستجلب من الآبار البدائية بالدلو، وكذلك انعدام المواصلات في تلك الأماكن فوسيلة المواصلات الوحيدة المتوفرة في ذلك الحين هي الدواب ، والتي استخدمها الشيخ البرعي في جلب الحجارة من جبل يبعد عن الزريبة بحوالي ٣٠ كلم لبناء المسجد ، وكانت الإبل التي اختارها الشيخ ليرمز بها لسور القرآن الكريم في قصيدته ( إبلي المُشرفات ) كانت هي الوسيلة الوحيدة التي يستجلب بها الشيخ مواد البناء والتي كان يشتريها الشيخ من الخرطوم وينقلها بالقطار إلى أم روابة ومنها بالدواب إلى الزريبة .
وهكذا بهذه العزيمة وتلك المشقة استطاع الشيخ البرعي أن يبدأ أولى الخطوات في مسيرة الدعوة والإصلاح في طريق لم يكن مفروشاً بالورد .. وقد صاحب هذا التطوير توسيع دائرة التعليم للرجال والنساء في خلاوي القرآن الكريم بالزريبة وغيرها من الأماكن الأخرى ، وشرع الشيخ في بناء معاهد العلوم الإسلامية والمساجد في شتى مدن وقرى السودان ومنها : الأُبيض ، أم روابة ، أم دم حاج أحمد ، أم درمان ، الخرطوم ، مدني ، الدويم ، سنار ، بارا ، المزروب ، بورتسودان ، نيالا، وغيرها من الأماكن في السودان ،، ومع ذلك اهتم الشيخ أيضا بإقامة المستشفيات مثل مستشفى الزريبة التخصصي ومستشفى مجمع الخرطوم الإسلامي .
وللشيخ دور كبير في مجال الإصلاح الإجتماعي من خلال إقامته عشرات المهرجانات التي تعقد فيها الزيجات الجماعية للفقراء من الشباب ، كما كان الشيخ يسعى في الإصلاح بين الأفراد والجماعات المتناحرين وشهد بنفسه مئات مجالس الصلح في شتى أنحاء السودان ، وامتد ذلك ليتوج برعايته مع عدد من العلماء مفاوضات السلام بين الشمال والجنوب في كينيا عام ٢٠٠٤ قبل وفاته بشهور قليلة ..
لقي الشيخ البرعي كثيرا من معاني التكريم والتبجيل الذي يستحقه عن جدارة ، فنال أرفع الأوسمة والأنواط من مختلف الجهات نذكر منها :
* وسام الدولة للعلم والآداب والفنون ١٩٩١م .
* نوط الإمتياز من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ١٩٩٤م .
* بردة المديح من الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي .
* الدكتوراه الفخرية من جامعة أم درمان الإسلامية ١٩٨٤ م .
* الدكتوراه الفخرية من جامعة الجزيرة ١٩٩٤م .
* الدكتوراه الفخرية من جامعة النيلين ٢٠٠١م .
* الدكتوراه الفخرية من جامعة كردفان ٢٠٠٦ م.
انتقل الشيخ البرعي إلى الرفيق الأعلى يوم عاشوارء ١٤٢٦ هجرية ، الموافق ١٩/٢/٢٠٠٥ ميلادية ،ووري جثمانه الطاهر بمسيد الزريبة بجوار قبة والده الشيخ محمد وقيع الله رضي الله عنهم أجمعين ، وقد خلف الشيخ البرعي ابنه الأكبر الشيخ الفاتح حفظه الله وهو يسير على نهج والده في الدعوة إلى الله تعالى والإصلاح الإجتماعي ، نسأل الله تعالى له التوفيق والسداد .
* هذه المعلومات مأخوذة عن حفيد الشيخ عبد الرحيم البرعي ( عبد الرحيم حاج أحمد ) الموسوعة المعرفية ويكيبيديا .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]