الطاهر ساتي

عصير قصب …. بدل فاقد..!!..

عصير قصب …. بدل فاقد..!!..
إحداها طرفة، والأخرى واقعة..إذ تقول الطرفة بأن مقاولاً ظل يتصل بالمغترب الذي كلفه ببناء منزله على مدار العام، ويلاحقه شهرياً : (يا عمنا رسل خمسين مليون، خلاص حفرنا ليك الساس)، ثم في الشهر التالي : (ياعمنا حول مية مليون، خلي الشغل يمشي)، ثم قبل نهاية الشهر : (ياعمنا بالله إجدعنا بخمسين مليون، عشان ننزل المواد)، وهكذا إلى أن اتصل به ذات يوم، وقبل أن يطلب سأله المغترب : (ياخوي كدي خلينى من طلباتك، البيت دا وصل وين؟)، فأجابه : (والله بيتك ماشي كويس، يعني زي مترين كده ويصل العتب إن شاء الله)، وما كان منه إلا أن يباغته : (خلاص عرش على كده، ماعندي ليك قروش تاني)..أما الواقعة، فهي ماحدث بنهر النيل قبل خمس سنوات تقريباً، إذ حشدت حكومتها الولائية سادة المركز في سوح حفل افتتاح مشروع مياه الشرب بالعبيدية والذي كلف الناس والبلد ثلاثة مليارات جنيه، وتم افتتاح المشروع بعد فاصل من الخطب والإنشاد والمديح والغناء، وعاد كبار القوم الى الخرطوم، ولاحقاً اكتشف الفريق الهندسي بأن بالمشروع أخطاء هندسية وأخرى فنية، ثم اكتشف الأهل بالعبيدية بأن المياه التي تدفقت أمام كبار القوم لم تمر بالفلاتر وأوعيتها، بل تم ضخها من النيل إلى سوح الحفل مباشرة، أي وكأن بطون الناس ورئاتهم – المستهدف ريها بتلك المياه – مزرعة برسيم أو (سرابات بصل)..!!
** ولاأدري بأيهما كاد أن يقتدي سادة شركة سكر النيل الأبيض حين وزعوا رقاع دعوة الافتتاح – بموعد البارحة – لسادة الدولة ولبعض العرب ثم للسفراء ووسائل الإعلام ؟..بطرفة المغترب، بحيث يكون لسان حال خطاب مدير عام المصنع : (أيها الجمع الكريم، خلاص ياخ نعرش المصنع دا على كده)، أم بواقعة مياه العبيدية بحيث يكون مشهد الإنتاج من شاكلة تمرير القصب أو عصير القصب – وليس السكر – أمام كبار القوم، ويكون لسان حال الناس لاحقاً: (ننشفوا برانا ولا كيف؟)..؟..وعليه، ما حدث أول البارحة في هذا الشأن معيب جداً، ولو أن حدثاً كهذا حدث في بلاد الآخرين لما وجد وزير الصناعة من الوقت ما يمكنه من كتابة استقالته تلك، ولما مكثت إدارة المصنع بقية ساعات النهار، ولكن الحادثة سودانية ولذلك ليس في الأمر عجب بأن يبقى الوزير وزيراً والمدير مديراً، رغم وعدهما بإنتاج السكر ضحى البارحة لم يقدم للناس والبلد – و الحكومة والضيوف- غير قصب السكر وليس سكر القصب.. !!
** فليكن عدم توفر برنامج التشغيل عذراً، رغم أنه عذر أقبح من ذنب إحراج الناس والبلد أمام الدنيا والعالمين، فليكن عدم التوفر عذراً، ولكن : متى علم وزير الصناعة ومجلس إدارة المصنع وإدارته بأن برنامج التشغيل غير متوفر؟..ومن المسؤول عن عدم التحسب للمقاطعة الأمريكية في استجلاب المعدات وبرامجها؟.. وكيف يتفاجأ الوزير وسادة المجلس والإدارة بعدم توفر برنامج التشغيل الأمريكي قبل موعد التشغيل بأشهر، ناهيك بأن يتفاجأ بعدم التوفر قبل 24 ساعة ؟..إذ هذه المفاجأة الغريبة – والمعيبة – توحي للناس بأن هذا البرنامج المفقود محض مفتاح خشبي أضاعه أحد العمال في مزارع القصب..باستخدام العقل والمنطق فقط، ناهيك عن العلم والكفاءة والخبرة وتجارب الآخرين، كان يمكن إجراء تجربة تشغيل للمصنع أولاً ثم دعوة الحكومة والضيوف ووسائل الإعلام إلى حفل لاحق بحيث يكون حفل افتتاح المشروع، أي بعد التأكد من توفر برنامج تشغيل المصنع، يعني بالبلدي كده (بعد تجربوا المصنع، شغال ولا ما شغال؟)، وعملاً كهذا ليس بحاجة إلى عبقرية أو (درس عصر)، إذ عامة الناس – بمن فيهم الأمي الما بيعرف الواو الضكر – تتقن تجريب الأشياء قبل شرائها أو الاحتفاء بها، فكيف يجهل النهج الإداري للوزير ولسادة المجلس والإدارة مثل هذا العمل، (تجريب التشغيل فقط لاغير)، وكيف حدد نهجهم موعد الافتتاح قبل التأكد بأن برنامج تشغيل هذا الافتتاح (في ولا مافي ؟).. نعم، فالوزير لم يحرج الشعب والبلد فحسب، أو كما قال في استقالته، بل أحرج كل العقول السودانية التي تعرف أبجديات العمل الإداري، ومن تلك الأبجديات أن يؤمن العامل بأنه أتقن عمله ثم يقدم هذا العمل للناس والبلد والحكومة والدنيا والعالمين، ولا- كما الحال الراهن – يدعوهم إلى حفل افتتاح عمله ثم يكتشف قبل يوم من الحفل بأن عمله (مجوبك)، ثم يبرر كل هذا التخبط والعشوائية واللامسؤولية بتبرير من شاكلة (ياخ ما لاقين مفتاح التشغيل)..على كل، نأمل أن يكون الموعد القريب – كما جاء في بيان إدارة المصنع – موعداً حقيقياً لإنتاج السكر..هذا أو فأعلنوه مصنعاً لإنتاج (عصير قصب)، بأي برنامج تشغيل (بدل فاقد)…!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]