الطاهر ساتي
وللعدل أيضاً طعم …!!
** العمر الوظيفي لأقربهن التحاقاً بالمصنع تجاوز الثلاث سنوات، والسواد الأعظم منهن تجاوز الخمس سنوات عمراً وظيفياً.. ومع ذلك، طوال تلك السنوات، لم يحظين بالتأمين الاجتماعي، ولا بالتأمين الصحي رغم أنف المواد الكيميائية التي تحيط بهن طوال ساعات العمل.. إدارة المصنع حرمتهن من هذا التأمين وذاك، بتبرير فحواه (إنتو عاملات يومية).. حين يمرضن، تمنحهن الإدارة إذنا بالعلاج على حسابهن.. فيذهبن ويتعالجن ثم يعدن إلى عملهن بعد يوم أو أسبوع من (فترة العلاج والراحة)، ويجدن بأن إدارة المصنع خصمت أيام العلاج والراحة من راتبهن (180جنيهاً).. هكذا رق التحالف الصيني السوداني بالمصنع.. يتوقف العمل بالمصنع لأي سبب – لا علاقة لهن به – فيدفعن ثمن التوقف خصماً من راتبهن.. تأتي عطلات الأعياد والمناسبات، فيتوجسن ثم يواجهن مصير خصم أيام تلك العطلات.. يتأخر استيراد مدخلات الصناعة لأي سبب – لا علاقة لهن به – فيدفعن ثمن التأخير خصماً من راتبهن.. إحداهن – محاسن – قطعت إحدى الماكينات أصابعها، فمنحوها إذناً بالعلاج، فذهبت وتعالجت ثم عادت بعد شهر ونيف – بلا أصابع – ولم تجد راتباً ولا تعويضاً، بل خاطبوها بقبح فحواه (أصابعك اتقطعت بإهمالك)، وأصبحت تلك المخاطبة نهجاً إدارياً بالمصنع…!!
** ذات يوم، من أيام شهر يونيو الفائت.. أخطرتهن إدارة المصنع – كالعادة – بالتوقف عن العمل لحين صيانة الماكينات، فتوقفن، إذ خصم يوم أو أسبوع من الـ(180 جنيهاً)، أمر معتاد.. ولكن، طال انتظارهن وضاقت بهن الحياة، فالطالبة منهن – ناهد مثالاً – عليها دفع رسوم قدرها ثلاثمائة جنيه لجامعة الزعيم الأزهري، وأخرى – هدية مثالاً – أسرتها بحاجة إلى طعام وشراب، وثالثة و و.. هكذا وجدن حبال مطالب الحياة تلتف حول رقابهن، فذهبن إلى المصنع لمعرفة ما يحدث، فوجدن توجيهاً إدارياً بالاستقبال يمنع دخولهن ويخطرهن: (خلاص فصلناكن واستغنينا منكن).. فكظمن الحزن، وسألن عن حقوقهن، وكان الرد: (لو عندكن حقوق أمشوا المحكمة).. هكذا صدمتهن الإدارة – في يونيو الفائت – بمظان أنهن لن يستطعن دفع تكاليف التقاضي والمحاماة.. فاستقبلت أحزانهن، ووثقتها ثم عكستها للرأي العام، وختمت عرض حالهن بـ(يجب أن تعلم إدارة مصنع شنغهاي سودان بأن هؤلاء البنات لن يتخلين عن حقوقهن ولن يبعن شرفهن لدفع رسوم التقاضي والمحاماة، بل سوف يستردن حقوقهن كاملة بإذن العلي القدير، ولو كان بيع ملابسنا هو ثمن الاسترداد).. فتضامن معهن ومع قضيتهن قرائي الأفاضل – بالداخل والخارج – تضامناً نبيلاً يعكس نقاء أخلاق أهل السودان، حيث جادوا بالدعاء والمال والمرافعة أمام المحاكم.. فالحمد لله، لقد أثمر تضامن أصدقائي خيراً، كما أثمر صبرهن على تلك المظالم عدلاً، إذ حكمت لهن محكمة العمل ببحري – الأسبوع الفائت – بكامل تعويض الفصل التعسفي، وحملت إدارة المصنع كامل رسوم الدعوى.. فالشكر لله، ثم للأخ الأستاذ أسامة عبدالله أحمد المحامي والأخ الأستاذ محمد الخضر أحمد المحامي، على جهد التطوع بالمرافعة طوال الأشهر الفائتة، لهما التقدير، ولكل الأفاضل كل الود..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]