حيدر النور : السودان بين خيارين أحلامهما مر .. فهل من خرج عاقل.. وطريق ثالث ؟
” والمستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم ، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم . ويعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجليه علي أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته ..
والمستبد عدو الحق عدو الحرية وقاتلها .
والمستبد يتجاوز الحد لانه لا يري حاجزا . فلو رأي الظالم علي جنب المظلوم سيفا لما اقدم علي ظلمه ” .
مقتبس من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي .
تناولنا في الحلقة السابقة كيف تسببت ألأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي سدة الحكم في الخرطوم ، واركز في ( الخرطوم ) ، فلم يكن في دارفور (مثلا ) منذ الاستقلال حكومة قابضة الا في اوساط المدن الرئيسية ، اما بقية دارفور الواسع فكانت خارج سلطة الدولة وقبضتها ، وكانت تحتكم إلي الاعراف والتقاليد وقيم الشعب وموروثاته ، ولم يكن هناك حكومة ولا شبهة حكومة في اغلب دارفور، ولا مؤسسات خدمية ، او غير خدمية ، ولا قوانين ولا محاكم ، ولا الشعب حريص في التعامل مع الموجود من مظاهر الحكم والسلطة المشوهة القائمة في المدن الكبري ، ولا يتقيد بالقوانين ، ولا النظم المفروضة ، لانها ضد العدل والحرية وقيم العدالة الطبيعية ومعاييرها التي احتكمو عليها وتوارثوها منذ الازل جيلا لعد جيل ، بل كان ولا زال يحتكم شعب دارفور واغلب شعب عموم السودان الي القوانين العرفية والعدالة الطبيعية ، وهكذا في جنوب السودان الذي انفصل واصبح دولة مستقلة ، كانت فيها حرب منذ قبل الاستقلال الي ان انفصل في العام 2011 ، وحتي في الفترة الانتقالية في ( الستة اعوام ) كانت دولة مستقلة او كونفدرالية صارمة جدا لها حكومتها القوية وجيشها وعلمها وتمثيلها الدبلوماسي الخارجي ، متمثلة في مكاتب الحركة الشعبية لتحرير السودان وكانت بطاقة الحركة الشعبية لتحرير السودان أقوي من جوازنا السوداني في كثير من بلدان افريقيا .
وقد بينا أن السودان منذ انفصال الجنوب الي اليوم غابة بشرية القوي فيها آكل والضعيف مأكول ، وفي حالة فراغ دستوري وسياسي نتيجة انقضاء اتفاقية السلام الشامل الوثيقة المرجع للدستور الانتقالي للعام 2005 وبذلك يكون السودان منذ العام 2011 الي يومنا هذا دولة بلا دستور ، وبالتالي يكون دولة بلا قوانين ولا قضاء بحكم بطلان الدستور الوثيقة العليا للبلاد والوثيقة المرجع للقوانين .
دولة في حالة فراغ سياسي نتيجة انفصال الجنوب وانسحاب كل قيادات الجنوب في كافة مؤسسات الدولة التشعريعية والتنفيذية والقضائية وفي كل الخدمة المدنية ، ولا بد من التاكيد علي سقوط نظام المؤتمر الوطني طالما سقطت الدولة السودانية ، واصبحت غابة بشرية القوي فيها آكل والضعيف مأكول .
ان عراب نظرية فصل السلطات في الدولة الحديثة الفقيه القانوني والسياسي الفرنسي ( مونتسكيو ) الذي فصلها في كتابه ( روح القوانين ) ، حيث قسم فيها سلطات الدولة الي ثلاثة سلطات ( تشريعية ، وتنفيذية ، وقضائية ) وقال بضرورة الفصل بين هذه السلطات الثلاثة وعدم تركيزها في يد فرد او جماعة حتي لا يتحول الي جبار وطاغية والقاضي والحكم والجلاد والمشرع والمنفذ للتشريعات ، معللا ان للسلطة نشوة كنشوة الخمر تعبث بالرؤوس .
نظرية مونتسكيو اخذ بها معظم ان لم يكن كل ديموقراطيات العالم واستندو عليها في كتابة دساتيرهم ، ولا سيما دستور امريكا وفرنسا وغيرها من الدول الديموقراطية في العالم .
الا ان صاحب النظرية ( مونتسكيو ) غفل ولم يذكر ان السكران الطبيعي بالاشربة الروحية سواء كانت البلدية منها ( المريسة ، الشربوت ، العرقي ، كنجو مرو وغيرها ) او المصنعة ( الويسكي والبيرا والجن وغيرها ) يفيق من سكره بعد بعض الساعات من الشراب .
شد انتباهي تعريفا للسكران في محاضرة لأستاذنا حسن إسماعيل البيلي رحمه الله وكان يتميز بالجدية وحسن الالقاء وترتيب الافكار . وعندما كان يستعرض تعريفات السكران ، قد انفجرت بالضحك حين عرج علي تعريف الحنفية للسكران ( ولا يسمي السكران سكرانا الا اذا شرب وذهب عقله فلم يميز الارض من السماء ولا الرجل من المرأة ) وقال مقولة السودانيين الشهيرة : ( سكران طينة ) .
ضحكت متعجبا وقلت في نفسي وهل يصل الانسان لمجرد السكر لهذه المرحلة من غياب الوعي الشديد ، بحيث لا يميز الارض من السماء ولا الرجل من المرأة ، ( مستحيل ) ؟؟!! ، لكن حينما عشت في كينيا ويوغندا وارتريا رايت راي العين كيف يصل الانسان لهذه المرحلة من غياب الوعي واكثر منها بل ينسي انه نفس بشرية ويفقد الوعي جملة واحدة ويسقط علي الارض كالميت تماما ، ورأيت كيف يتعب ذوي السكران في ايصاله الا البيت ، وهي الحالة التي وصلتها حكومة المؤتمر الوطني ويقود البلاد بهذه العقلية ، وايضا يحل ازمات البلاد الشائكة والمستعصية بذات العقلية الغائبة غيابا تاما ، ودونكم تعاطيها مع أزمات البلاد ومشاكلها الكبري في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق ، الذي كان خيار الحرب اقصر طرق الافلاس والتهرب من العقل والحكمة والمنطق ، بل استمرأت في رفض اية سلام وكل ما يطلقها من مبادرات مجرد بالونات ، واسطوانات مشروخة .
وفي جنوب السودان التي انفصلت ورأينا كيف تعامل بغطرسة وعنجهية وبعقلية السكران الغائب الذي لا يميز الارض من السماء ولا الرجل من المرأة ، ولن يميز السودان والسودانيين من يوغندا واليوغنديين او كينيا والكينيين ، ولم يميز بين الدكتور جون قرنق ديمبور وسلفاكير ومالك عقار وباقان اموم وياسر عرمان ولا غيرهم من السودانيين ، من خصومه ( حكومة البشير ) الاجانب كيويري مسوفيني و بل كلينتون او آل سعود ، و حسني مبارك ولا غيرهم من غير السودانيين ، وحتي في ازمات السودان السياسية والاقتصادية والامنية ظل يعالجها تماما بعقلية السكران الذي لا يميز الارض من السماء ولا الرجل من المرأة .
الا ان سكران السلطة لا يفيق مطلقا ويكون غائب للوعي دوما و( مسطول ) ولا يفيق في غالب الاحيان ، الا بان يعزل او يقتل بعد ان يدمر البلاد ويقتل الكثيرين من ابناء شعبه ، ثم يموت منتحرا او في السجن ، او يعدم ثم يترك الدولة في ازمات مستعصية وفي حالة انهيار خطير ، وما خطاب البشير المتعجرف بالقضارف الا دليل علي ذلك ، وهكذ فعل دكتاتور الصومال محمد سياد بري بالصومال ، وصدام حسين في العراق ، والقذافي في لبيبا وقد استغربت لفشل الدولة الليبية لدرجة خطف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان واحتجازه ل6 ساعات قبل الامس من قبل الثوار وهي فوضي ناجمة عن انهيار الدولة الليبية كلية ، وكان علي زيدان يعيش في فندق تاركا منزله لدواع امنية واختطف من داخل الفندق نتيجة انهيار وشلل الدولة الليبية بعد الاطاحة بالطاغية .
الا ان السلطات الثلاثة وفقا لعراب نظرية فصل السلطات المبينة في كتاب ( روح الشرائع ) يجب ان تكون منفصلة عن بعضها البعض ، بل السلطة القضائية يجب ان تكون مستقلة كلية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، تحقيقا للعدالة ، ومساواة الجميع أمام العدالة والقانون دون فرز .
لكن سكران السلطة المطلقة اذا كان رئيسا ، او فرعونا متألها دوما لسان حاله يقول ( انا ربكم الاعلي ) ، ( وهذه الانهار تجري من تحتي ) و(ما علمت لكم من إله غيري ) ، ( وما أريكم الا ما أري وما أهديكم الا سبيل الرشاد ) او يتنمرد ، كالنمرود ابن كنعان يسجن ويقتل ويهين كل من يقول له انت لست الله ويجتهد ليساوي نفسه بالله حين جادله سيدنا ابراهيم عليه السلام ، واعترض انه الله ( ربي الذي يحيي ويميت فقال انا أحيي واميت ) ، ويشعل نارا هائلا ولا يعود الي رشده حتي ولو قال الله (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي ابراهيم ) في قمة درجات السكر ان يقول انسان انه الله نفسه ولا اله غيره ، ومن رفض يقتل او يسجن او يشرد لكنها حالة السكران المستمسك بمطلق السلطة .
نعم السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية يجب ان تكون منفصلة وبدونها تكون الحكومة حكومة سكران او سكرانين وفاقدي العقل ومجانين لايميزون الارض من السماء ولا الرجل من المراة .
ولا بد من القاء ضوء ونظرة عابرة جدا علي حالة السكران في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في السودان .
أما السلطة التنفيذية :
متمثلة في مؤسسة الرئاسة في السودان فقد ظلت منذ الاستقلال في ازمة ، وكانت تاتي دوما عبر الانقلابات العسكرية ، ويكون اغلب الجهاز التنفيذي ضحية الانقلابيين من العسكرتارية ، وهكذا النظام الحالي راسها انقلابي استولي علي السلطة بليل ، وكل سدنته انقلابيين ، وقسم البلاد ، والشرذمة بادية بقوة وحالة السكران الفاقد للوعي الذي لا يميز الارض من السماء ولا الرجل من المراة واضح جدا ، وراينا كيف فشل وسقط كل الجهاز التنفيذي للدولة السودانية في التعاطي والتعامل مع ازمات البلاد ، تمام الفشل ، و كيف سقط في التعامل الاستراتيجي في كل ازمة ؟ ، وكيف كان عقل الجهاز التنفيذي الجمعي مضروبا في التعامل مع مشكلة الجنوب وتعامل بعقلية تكتيكية وقتية وكانو يقولون ب ( حسم الثورة في الجنوب ) بالقوة والجهاد ووجه كل موارد الدولة لحرب الشعب السوداني في الجنوب ، وسقط الطائرات ومات الكبار من قادة النظام في الجنوب ، وقتلو الملايين وشردو الملايين ، وأعلنو مرارا انه لم يبقي الا( نمولي) آخر معاقل التمرد ، مع البشير ( يعيط ) حتي جلس بعد ان اشتعل دارفور وانفجر الثورة بقوة .
فذهب الجنوب وانتصر قضية دارفور سياسيا ، وما زالت الازمة الانسانية تراوح مكانها بل اسقط النظام وقادته وربما سقط السودان قريبا .
الا ان عقلية ( السكران طينة ) الذي لم يميز ألأرض من السماء ولا الرجل من المرأة قد تجلت تمام التجلي في تعامل حكومة المؤتمر الوطني الغبية مع مشكلة دارفور بتنكر ودغمائية ، و المؤتمر الوطني قد ظل يحل ازمات البلاد كلها بجهل فاضح جدا ، ولا نعني بالجهل مجرد الجهل ، لا يعني ان من يتقدم للحل من المسئولين ان لا يكون متعلما او دكتورا او بروفيسرا او ذكيا متفوقا في اكاديماته ، انما الجهل يكمن في فقدانها للمعلومات الصحيحة وللرؤية الثاقبة ، و لاستنادها علي معلوماتها كلها مضللة وكاذبة رغم ان اكثر من 70 % من ميزانية الدولة ينفق علي الامن والدفاع وفقا لمختصين وخبراء ، في الامن سواء حروب لا معني لها او اجهزة امن لبيع المعلومات الكاذبة وصناعة الوهم ، فكيف لا ينهار الاقتصاد الهش أصلا .
فقادة المؤتمر الوطني في جهل فاضح بدارفور وتاريخه وقيم شعبه التي تحاكمو عليها منذ الاذل ، انه جهل فاضح جدا بالمعلومات الواقعية ، وافتقار للمعرفة حتي عن ابسط الحقائق ألأساسية لدرافور ، نقص في المعرفة .. نقص في الرؤية .. نقص في تصور الواقع علي الارض ، افتقار وجهل بالمعارف والمعلومات حول المناطق المازومة ، والاعتماد علي مصادر مغرضين وكذابين .. وياتي الحلول والاتفاقيات بنفسية وذهنية السكران الذي لم يميز الارض والسماء ولا الرجل من المرأة .
حلول بعقلية تمحورت حول الذات وخدمة الذات والانانية وانكار الآخر .
ان رفض المؤتمر الوطني للسلام قاطع وكلما انشد السلام وخطي خطوة نحوها ارتد عشرة حطوات الي الخلف ، وانا راوي للتاريخ وشاهد للعصر ، وقد عملنا للسلام وجلب السلام ليلا ونهارا وسرا وجهارا الا انها رافضة للسلام كل الرفض لاي سلام في دارفور ، وفقط ينشدونها في السنتهم وليس في قلوبهم .
وظللتم تراقبون عن كثب كيف تعاملت بعقلية سطحية دغماية ( بعقلية السخلة ) بعقلية (السمسار ) و( القلاجي ) تارة يشتري ذمم هؤلاء هؤلاء وتارة اخري يشتري أؤلئك السماسرة والتجار ، وعجت وامتلات القصور وغير القصور بالارزقية . وكيف ظلت تتهرب باستمرار من مواجهة مشاكل السودان بشجاعة وجراة ، ووفق تازمها وخطورتها ؟!!.
اتجه وبالطبع بعد ضغوط داخلية وخارجية مهولة وبعد 15 عاما من القتل والحرق والابادات الجماعية والتطهير العرقي لشعب الجنوب الذي استمر 21 عاما تحت سحق آلة الدولة منذ ان نكث النميري ونقض اتفاقية السلام مع ( الانانيا ون )، اتجه المؤتمر الوطني لحل ازمة الجنوب الضاربة الجذور في التعقيد والخطورة سياسيا بحلول سطحية جدا ، حلول خرقاء ، حلول بلهاء، حلول عمياء ، وتغاضت عن اهم ركيزة في صناعة السلام والوحدة والثقة بين الشعب الواحد واعادة الوئام الاجتماعي وجبر الضرر النفسي وهي ( العدالة والمصالحة ) ، او ( العدالة الانتقالية ) ، وبدل الاعتراف السياسي بقضية دارفور وحلها سياسيا وبكلفة اقل لجا الي انكار القضية السياسية لدارفور انكارا تاما .. تاما ، وجنح الي الحلول الامنية الضيقة جدا .. جدا ، بان ما يحدث معتبرا في دارفور مجرد صراع بين القبائل العربية والافريقية ، ومجرد نهب مسلح . وتجار مخدرات و.. و ..
ان العمل علي عدم فشل السودان وانهيارها وسقوطها وتشرذمها لدويلات ، وفصائل متناحرة مسئولية الجميع حكومة ومعارضة مسلحة وسياسية .
ويجب ان يتكاتف الجميع وعلي راسهم جماهير شعبنا ، وان يستعدو لدفع ثمن الحرية .
وقمة السكران الذي شرب من السلطة وذهب عقله فلم يزل يميز الارض من السماء ولا الرجل من المرأة في كيف لحكومة تتسبب في افشال اتفاقية جلست لها لاكثر من عامين وانصرف وزراء وقادة بارزون في الدولة لاكثر من عامين ، ويستمرون في اتفاقية ابوجا الفاشلة وملحقاتها ، وقد احترق القائد مني اركو مناوي في يوم واحد فقط ، صحيح اعترف انه اقل من ( مساعد حلة في لوري أو قندران او جرار ) وقالو للاتفاقية المرفوضة ( والله ولا شولة ما نزيدوها ) .
وهكذا في ملحقاتها وبقية الافراد عيسي باسي ابو القاسم امام وغيرهم من مجموعات الاستيعاب ومن تساقطو .
ومصرون اليوم علي تنفيذ اتفاقية ما سمي بالدوحة في حركة وهمية صنعوها هم ويريدون ان يستغبو الشعب ، وشعب دارفور لم يكن سكرانا حتي يؤتي بشخصموظف في الامم المتحدة .
نعم مصرون علي تنفيذ الوهم واستخدام علاثات ومال البلاد لدعم اللا شيئ .
إنها الغباء والعمالة والارتماء في أحضان ألأجنبي ولو اتهم البشير وغير البشير ألآخرين بالعمالة وهذا ما سنبينه لا حقا .
السلطة التشريعية
اما السلطة التشريعية فازمتها كانت قائمة منذ فجر الاستقلال وعلي اشدها ، ولم يكن الفوضي في البرلمان السوداني اقل منها ، من انقلابات القصر الجمهوري والحلقة الجنهمية المفرغة التي عاشتها القصر والجهاز التنفيذي في انقلاب عسكري ثم ديموقراطية شكلية ومزيفة وهكذا ، و تكررت حوادث طرد البرلمانيين من البرلمان بالبوليس وبالقوة ( وباساليب الهمبتة والبلطجة السياسية ) من دون مرعاة للقانون ولا الدستور ولا .. ولا ..، فقد طرد محمد احمد المحجوب بالتواطؤ والتآمر مع اسماعيل الازهري ، الصادق المهدي ومؤيديه من النواب خارج قبة البرلمان واغلقو (باب البرلمان بالضبة والمفتاح ) ، وقالو لهم ( امشو يالله يا مهرجلين ياعشوائين !! ) واجتمع المهدي وانصاره بخارج قبة البرلمان تحت الشجر ، ثم بعد ايام من طرده نصب سرادقا كان برلمانا له ولانصاره المطرودين في بيته وعين الزعيم احمد ابراهيم دريج رئيسا لبرلمانه المزعوم ، ثم دخل في دوامة قضايا طويلة ، باءت بالفشل ، لعدم وجود قضاء مستقل ونزيه ينصفه .
وهكذا تم التآمر علي نواب الحزب الشيوعي وطردو من البرلمان السوداني بقرار وتصرف غير دستوري ولا قانوني ، مبين مراجع القانون والسوابق القضائية في سابقة ( جوزيف قرنق وآخرين ) ، في اسوأ ترجمة وانقلاب علي الدستور والقانون من داخل قبة البرلمان نفسه ، وسلسلة العبث بالسلطة التشريعية في ظل الانظمة السابقة الدكتاتورية العسكرية لا حصر لها .
اما في عهد الانقاذ فحدث ولاحرج فالمؤتمر الوطني ورئيسه العميد عمر البشير انقض علي الديموقراطية بليل ، وألغي تحت تهديد الدبابة حكومة منتخبة وبرلمان منتخب في العام 30 يونيو 1998.
وكان السودان منذ مجيئ المؤتمر الوطني بلا سلطة تشريعية منذ اليوم الاول ، ولا دستور، وكان يدار باوامر دستورية تصدر من الحاكم العسري او ما اطلق عليها ( المراسيم الدستورية ) لعشرة اعوام حتي صدر دستور 1998 الذي ركله البشير برجله .
أتذكر اننا حينما اتينا للجامعة في العام 1999 في الصف الاول كان الفريق البشير قد ( قلب هوبة ) وانقلب علي الشيخ حسن الترابي وطرده من البرلمان واستولي علي البرلمان بالدبابات ، في قرارات ما سمي ( بالرابع من رمضان في العام 1999 ) التي اثارت جدلا واسع النطاق .
وكان استاذنا حسن اسماعيل البيلي رحمه واسكنه فسيح الجنات الذي تقدم ذكره في تعريف السكران ، من ينوب عن رئيس المحكمة الدستورية وكان مع الانقلابيين الجدد بقوة ، وقد رفع عضو البرلمان ( اسماعيل يوسف هباني ) دعوة قضائية ضد رئيس الجمهورية طاعنا ( بعدم دستورية خطوة عمر البشير بحل البرلمان واعلان حالة الطوارئ بالبلاد ) ، المهم اننا حضرنا الجلسة بدعوة من استاذنا البيلي رحمه الله نفسه في مقر المحكمة الدستورية الكائن علي مرمي حجرمن جامعة الخرطوم ، وقد شرح لنا بعد ذلك في قاعة الدرس الجدل الدستوري الغريب والعجيب ، وبرر للبشير فعلته بمنتهي الفصاحة والبلاغة ، وقد حضر استاذ القانون الدستوري نفسه حيث كانت المحاضرة التي تلي محاضرته ( محاضرة القانون الدستوري ) ، ان الاستاذ البليلي رحمه الله فوق انه كان محاججا بارعا ومفوها كان ومرتب الافكار ( كان قوي الشخصية ) ، واصل في شرح القضية لاكثر من نصف ساعة مع ان زمنه قد انتهي واستاذ القانون الدستور يستمع من دون ان يقطعه ولم يستاذنه البيلي ، ونحن برالمة لا نفقه الكثير عن القانون الدستوري ، بفراغ الاستاذ البيلي الذي ذهب الي ان رئيس الجمهورية هو السلطة العليا للبلاد وعليه ان يتخذ القرار المناسب في ان انقاذ البلاد ، صحيح كان الجدل القانوني والدستوري في الخطوة الاجرائية هل كان اعلان حال الطوارئ سابق ؟ . ام حل البرلمان ؟ والصحيح انه( اشتغل جيش وكان انقلاب عديل كدا علي الترابي والترابيين ) بخروجه ( رد استاذ القانون الدستوري ببساطة ( السلطة العليا انت يا أخ ) قاصدا ان السلطة العليا في الفصل في القضية هي المحكمة الدستورية وقرار المحكمة لا رئيس الجمهورية ، وكان احساسنا ( العلم مافيهو قطيعة ) كان عليه ان يحاججه الحجة بالحجة ، الا ان الحق وصحيح القانون والدستور كان مع استاذ القانون الدستوري بينما كان البيلي مجرد( مبرراتي ) لانقلاب البشير والاستيلا علي البرلمان بالدبابات .
أما السلطة القضائية
فكانت افضل حالا من السلطتين التنفيذية والتشريعية ،لان القضاة مستقلون بعض الشيئ منذ الاستقلال ، الا وهناك حواث متفرقة لتدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية وتغولها علي القضاء ، الا ان السلطة القضائية قد انهارت اليوم تمام الانهيار وسقط واصبح لا معني لها ، في ظل حكومة ياتي برجال الامن وينصب منصات قضاء لمحاكمة المتظاهرين ( اربعين اوخمسين جلدة ) وغرامة في قمة السقوط للقضاء ، وفقدان هيبتها ومكانتها بين الشعب .
ولكوني درست القانون في جامعة الخرطوم اقطع الي ان كلية القانون جامعة الحرطوم ساهمت اكثر بكثير من الكلية الحربية وكافة الكليات في تدمير السودان وتقسيمها ، وخرجت كل الافاعي والحيات الذين فعلو بالسودان الافاعيل بتشريعاتهم وتوجهاتهم السياسية المدمرة ، وازمة السودان الاول أزمة تشريعات ، ازمة قوانين ، ازمة دستور ، أزمة هياكل وهيئات ومؤسسات الدولة ، أزمة التلاعب بالدين والفهم الخاطيئ لمبادئ القانون ومقاصد شرع الله وتحريفها .
ونواصل
.حيدر محمد احمد النور
[email]mhaidaro@yahoo.com[/email]