هنادي محمد عبد المجيد
تاريخ القوات المسلحة السودانية 1
السودان هو أقدم مناطق التجمعات البشرية في منطقة وادي النيل ، ويُعتبر مركزا للإشعاع الحضاري ، وعبر تاريخه الطويل اصطرعت على أراضيه ممالك عظيمة وقوى عديدة أثرت في تحديد مساره الحضاري والثقافي والسياسي والعسكري .
عُرفت الجيوش السودانية واشتهرت على النطاق العالمي منذ القرن الثامن قبل الميلاد في المملكة الكوشية والمروية القديمة وحتى القرن الرابع الميلادي ، ثم تلا ذلك الممالك المسيحية النوبية في المقرة ( علوة ) ودنقلا ( سوبا ) مابين القرنين السادس والرابع الميلادي .
نتيجة لتدفق القبائل العربية منذ القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت الممالك الإسلامية في السودان كسلطنة الفونج والعبدلاب والفور والمسبعات وتقلي الإسلامية ، فكل تلك الممالك اعتمدت إعتماداً كبيراً على قوتها العسكرية في نشاطها وتكوينها وبقائها واستقرارها ، فالقوة العسكرية كانت دائماً وأبداً هي عماد هذه الممالك .
اعتمدت الممالك الإسلامية في افريقيا استخدام الأسلحة النارية كأسلحة قتال أساسية في أواخر القرن التاسع عشر ، على الرغم من وجود هذه الأسلحة في هذه الممالك منذ القرن الخامس عشر ، إلا أن ذلك العصر يُعتبر عصر فروسية وبطولة يتطلب مقابلة الأعداء وجهاً لوجه ويداً بيد ، فكانت الأسلحة البيضاء هي المناسبة لتحقيق ذلك الغرض وفي أواخر الربع الأول من القرن التاسع عشر في العام ١٨٢١م عَرف السودان القوة العسكرية النظامية الحديثة ، في عهد محمد علي باشا ، الذي رأى في السودان مستودعاً مادياً يحقق طموحاته الكبيرة لتمويل فتوحاته وملئ صفوف جيشه بالرجال ، وظلت بذلك القوة العسكرية هي أساس الحكم المصري ، حيث صُمّم الجيش المصري الجديد حسب أحدث النماذج الأوروبية ، فأقيمت المُعسكرات التدريبية في أسوان عام ١٨٢١م لتدريب الجنود السود من أهل السودان .
حيث كان يتم تطعيمهم وتعليمهم الدين الإسلامي ، ويُدربون على أيدي ضباط عسكريين فرنسيين من الذين خدموا مع نابليون ، وقد أحضروا معهم الإنضباط العسكري الفرنسي ونظام الترقي حسب المقدرة والكفاءة وتكتيكات الصحراء .
شاركت أغلب هذه الوحدات في الحملات في الشام والحجاز ، بينما شكلت وحدات أخرى للحماية الدائمة في السودان .
نال الجنود السودانيون إعجاب وإطراء إمبراطور فرنسا ، حيث يذكر المؤرخون أداء الجنود السودانيين في معركة التل الكبير سنة ١٨٨٢م ضد الغزو البريطاني أنه الأكثر تميزاً بين كل أفراد جيش أحمد عُرابي برغم الهزيمة ، ويذكر أحد المؤرخين أن الهجوم البريطاني وقع ليلاً وقد هبَّ الجند من نومهم مذعورين وولوا الأدبار ، إلا السودانيين منهم ، فقد ثبتوا في مواقعهم حتى فنوا عن آخرهم .
بإنتصار الثورة المهدية ، استفاد جيش المهدية من استيعاب الأفراد الذين خدموا مع جيوش الزبير باشا ود رحمة وابنه سليمان الزبير ، حيث شكلوا نواة صلبة لجيش المهدية الذي ظل تقليدي التسليح ولم يستطع الحصول على أي مُعدات أو أسلحة أو ذخائر حديثة مما أنتجته الثورة الصناعية الحديثة من رشاشات وبنادق ومدفعية سريعة الطلقات ما أسدل الستار على الدولة المهدية ، فدخلت البلاد في فترة حكم أجنبي للمرة الثانية خلال قرن واحد ، فتقاسمت بريطانيا ومصر حكم السودان فيما يُسمى بالحكم الثنائي .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]