هنادي محمد عبد المجيد

تاريخ القوات المسلحة السودانية 6‏


تاريخ القوات المسلحة السودانية 6‏
القوات المُسلحة هي الفيصل المكتوي بنار الحرب وويلاتها ، ونتائج الحرب وآثارها ، فالقادة والضباط الذين يعملون في مناطق العمليات يعايشون الواقع الفعلي في مناطقهم ، ويعايشون ما يعانيه المواطنون ، خاصة كبار السن والنساء والأطفال ، وهؤلاء تقوم القوات المسلحة بحمايتهم وتقديم العون لهم في كافة المجالات ، بدأ دور القوات المسلحة في جهود السلام إلى العام ١٩٥٥م ، عقب تمرّد الفرقة الإستوائية بتوريت ، فبعد سيطرة القوات المسلحة على الموقف ، وجّه رئيس الوزراء آنذاك (إسماعيل الأزهري ) نداء للمتمردين الفارين لتسليم أسلحتهم ، كما قامت القوات المسلحة بجُهد مُساعد لهذه النداءات بمساعدة السلاطين في تنفيذ الأمر الوزاري ، وقد اتسمت تصرفات القادة بالحنكة وممارسة أقصى ضروب الضبط والسيطرة على جنودهم .
-وفي فترة الستينات قامت القوات المسلحة بإنشاء قرى السلام وحمايتها مما جعل أعداداً كبيرة من المواطنين تلجأ إليها ، وكانت القوات المسلحة تقدم جميع أشكال العون المادي والمعنوي ،، حتى العائدون من حركة التمرد كانوا دائما يلجئون إلى مواقع القوات المسلحة حيث يُعاملون معاملة كريمة ، ويُقدم لهم الغذاء والكساء والحماية حتى يصبحوا قادرين على الإعتماد على انفسهم بالعمل في الزراعة أو أي موقع آخر .
* ثورة ١٧ نوفمبر ١٩٥٨م : ترسّب في أذهان الكثير من السودانيين ، أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي حكم البلاد من نوفمبر ١٩٥٨م وحتى أكتوبر ١٩٦٠م قد تبنى الخَيار العسكري لحل مشكلة الجنوب ، ولم يقدّم أية مبادرات لحل المشكلة سلمياً ، وهذا الإعتقاد الخاطئ ساهمت في ترسيخه المعارضة الشمالية والجنوبية بجانب النشاط الكنسي المُعادي للبلاد والمرتبط بالإعلام الأجنبي .. وبالطبع لم تكن تلك الدعاية حقيقية فالجهود السلمية التي قام بها المجلس الأعلى نُجملها في الآتي :
– منذ إستيلاء الجيش على السلطة في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨م أعلن الفريق عبّود العفو العام عن الذين شاركوا في أحداث توريت .
– في العام ١٩٦٣م تم إطلاق سراح أكثر من ستين شخصاً من قادة التمرد ومعاونيهم وتمت محاكمتهم .
– قَبِل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مذكرة قدمها د. محي الدين صابر تضمنت دراسة للأحوال السياسية والإقتصادية والإنثربولوجية للجنوب كما تضمنت توصيات على طريق الحل السلمي للمشكلة ، وكانت من أهم التوصيات وضع خطة تنمية اقتصادية واجتماعية للجنوب ، وانشاء جهاز متخصص للمناطق الجنوبية المختلفة ، والإتصال بدول الجوار التي تأوي لاجئين وحثها على اعادتهم للبلاد ، وابعاد الجنوبيين عن نفوذ الإرساليات وإنشاء شبكة قومية للمعلومات .
– أنشأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة جهازاً يعمل على ربط وتنسيق الوحدات الحكومية ، ومنحه بعض الصلاحيات ، وتم على ضوء ذلك تكوين لجنة لتطوير الجنوب في ١٩٦٣ ١/١٩ م بناء على توصية وزير الداخلية اللواء محمد أحمد عروة ، ونسبة لطبيعة تكوين اللجنة من مسئولين حكوميين لم تتمكن اللجنة من انجاز مهمتها لعدم تفرغهم .
– في عام ١٩٦٢م قدم وزير الداخلية اللواء محمد عروة مذكرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة تتعلق بإصدار قانون عفو عام ، وقد شمل العفو جميع الجنوبيين .
– في سبتمبر ١٩٦٤م شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لجنة سُمّيت باللجنة القومية لشئون الجنوب ، وكانت مُكوّنة من خمسة وعشرين عضواً برئاسة أحمد محمد ياسين ،وذلك في محاولة لحل مُشكلة الجنوب ، وقد كُلّفت اللجنة بدراسة الأسباب التي أدت إلى عدم الوفاق بين الشمال والجنوب ، ومحاولة إعادة الثقة بين الطرفين وإعادة الأمن والإستقرار وإقرار مبدأ الحكومة الواحدة والوِحدة .
* فترة مايو ( ١٩٨٥ – ١٩٦٩ م) : بعد اسبوعين من استيلاء القوات المسلحة على السلطة في ٢٥ مايو ١٩٦٩م أعلن جعفر محمد نميري رئيس مجلس قيادة الثورة عن سياسة المجلس تجاه مشكلة الجنوب ، في بيان أكد فيه الإعتراف بوجود فوارق تاريخية وثقافية بين الشمال والجنوب ، وطالب بقيام اشتراكية ديمقراطية في الجنوب تضع يدها على الحركة الثورية في الشمال لتحقيق الأهداف التقدمية ، حتى تتمكن الحركة الديمقراطية في الجنوب من تولي زمام السلطة ، ودعى لعودة الجنوبيين للمشاركة في بناء الوطن .
كما أعلن عن تمديد فترة العفو العام فارتفعت أعداد العائدين للجنوب .
– من أهم إنجازات هذه المرحلة اتفاقية اديس أبابا للسلام في مارس ١٩٧٢م ، والتي ساعد على نجاحها وجود قيادة متناسقة وموحّدة لكلا الطرفين يمكنها تقديم التنازلات الضرورية ،، وقبول الحكومة المركزية التفاوض مع الذين مارسوا القتال المُسلح ،، كما أن القيادات العسكرية التي تترأس كلا الجانبين تخرجوا في كلية حربية واحدة ويفهمون لغة بعضهم البعض ، ما أدى إلى تقارب وجهات النظر بينهم وتوصلهم إلى السّلم .
* فترة المجلس العسكري الإنتقالي ( ١٩٨٧ – ١٩٨٥م) : بعد انحياز القوات المسلحة لجانب الشعب السوداني واستيلائها على السلطة في ٦ إبريل ١٩٨٥م بقيادة المشير الركن عبد الرحمن سوار الذهب ، وبعد اكتمال تشكيل المجلس العسكري الإنتقالي ، قدم المجلس مبادرة إلى قيادة التمرد للجلوس والتفاوض لحل مشكلة الجنوب سلمياً ، وبعد اسبوعين من إطلاق المبادرة جاء الرد سلبياً ولا يتماشى مع صدق نوايا المجلس العسكري الإنتقالي ،، كما بدأت القوات المسلحة في الإتصال ببعض القيادات العسكرية الجنوبية الرافضة للحرب ، وقد استجاب عدد من هؤلاء القادة للمبادرة الرامية لتحقيق السلام ، وكانوا ينتمون لمناطق غرب النوير ..
في المقال التالي بإذن الله نكمل دور القوات المسلحة السودانية في ارساء دعائم السلام في السودان .

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]