الطاهر ساتي

مشاهد .. وقوة عين غريبة ..!!


مشاهد .. وقوة عين غريبة ..!!
** مشهد غريب..الكادر العامل بمستشفى الخرطوم يعطل ساعات عمل البارحة وينفذ وقفة احتجاجية، هكذا الحدث..ليس في الأمر غرابة في حال أن يكون تردئ بيئة العمل بالمستشفى سبباً لتلك الوقفة أو ضعف الراتب أو عدم صرفه، ولكن ما لهذا ولا ذاك إحتجوا..لقد إشتبهت وزارة الصحة الولائية قبل أسبوع ونيف في سلامة بعض عقودات المستشفى إشتباهاً يحتمل حدوث بعض التجاوزات، فشكلت لجنة تقصى الحقائق..ولأن قانون الخدمة العامة يلزم كل عامل بالتوقف عن العمل لحين إكتمال التحقيق معه في أية قضية، أصدرت الوزارة قراراُ بإيقاف مدير عام المستشفى لحين إكتمال التحري والتحقيق حول سلامة تلك العقودات..شئ طبيعي، إذ إيقاف العامل عن العمل لحين انتهاء التحقيق ليس بدعة، بل يحدث في أي خدمة مدنية في كل أرجاء الكون، ولكنه لم يعد طبيعياً بالسودان في هذا العهد الغريب، ولذلك وقف الكادر العامل بمستشفى الخرطوم إحتجاجاً على إيقاف مديرهم.. والأدهى والأمر أن الكادر لم يكتف بالوقفة الإحتجاجية، بل هدد- ولايزال – برفع مذكرة لرئاسة الجمهورية بإعادة مديرهم ..!!

** نعم المذكرة لرئاسة الجمهورية مباشرة، وليس لوزير الصحة الولائي ولا لوالي الخرطوم، لاتطالب بالإسراع في التحقيق والمحاسبة، بل تطالب باعادة المدير..أمر التحقيق في الملفات ذات الصلة بمرفقهم لا يهم العاملين ، فالمهم إعادة مديرهم، ولو بقرار جمهوري..والجدير بالتأمل في هذا الأمر هو أن للعاملين بالمستشفى إحساس عميق بأن رئاسة الجمهورية أصبحت ملاذاً آمنا ومناصراً قوياً لكل من يتم إيفاقه بغرض التحقيق في قضية فساد..ولو لم يشر إليهم إحساسهم بذلك لما هددوا برفع مذكرتهم إليها، أو ربما تعلموا من تجربة مدير سونا الذي لاذ برئاسة الجمهورية بدلا عن مواجهة إتهامات مسار في سوح القضاء.. على كل حال، ماحدث بمستشفى الخرطوم – بقوة العين دي – لايحدث إلا في بلادنا ..!!

** وهذا مشهد آخر..قبل أسبوع، ذهب المراجع العام الى قاعة البرلمان وقال للنواب بالنص : ( كشفنا تجاوزات مالية بهيئة الأوقاف، بعضها تبديد للمال العام بلاجدوى، والبعض الآخر إختلاسات، والمبلغ يتجاوز 6 مليون ريال)..قالها هكذا وخرج من القاعة تاركاً أمر التحري والتحقيق والمحاسبة للسلطات العدلية..قطع شك لتلك لهيئة الأوقاف مدير عام، وقطع شك تلك الهيئة تابعة لوزارة بها وزير.. وقطع شك أي تحقيق نيابي أو قضائي يجب أن يشمل ذاك المدير وهذا الوزير..ولكن فلنتأمل ما يحدث..وزير الإرشاد التي تتبع لها تلك الهيئة : ( مدير الأوقاف المقال الطيب مختار إستلم مليار جنيه من وزارة المالية على مدى عامين لإعادة بناء بناية وقفية، ولم ينفذ المشروع، وينبغي أن يُسأل عن هذا المبلغ..وهذا المدير كسر وقفاً بميدان أبوجنزير كان يدر دخلاً يفوق المليار جنيه..وهذا المدير تعاقد مع الوزير السابق عقداً يحصل بموجبه على أربعين مليون جنيهاً)، هكذا يحديث الوزير.. فيرد المدير سريعاً : ( هذا الوزير أعد محرقة للأوقاف، وذلك بإلغاء شخصيتها الإعتبارية وإستقلاليتها وإختزال كل الأنشطة في شخصه وتوجيهاته وقراراته الكارثية..وهذا الوزير شهر بالأوقاف وإعتدى عليها وعطل مشاريعها)، هكذا يتحدث المدير.. !!

** بالتأكيد ليس في حديثهما غرابة في حال أن يتحدث بهما الوزير والمدير في سوح نيابة أو قاعة محكمة..نعم شئ طبيعي أن يتم توجيه تهمة الفساد للوزير أو للمدير وأن تفصل في التهمة النيابات والمحاكم وتوثق في محاضرها مثل تلك الإفادات..ولكن لم اقتبس حديثهما من دفتر نيابة ولا من محضر محكمة، بل من صحف البارحة..المراجع العام يكشف التجاوزات ويعرضها لنواب البرلمان، فتتبارى أطراف التجاوزات في المرافعة الإعلامية..نعم مرافعة إعلامية حول ملفات فساد تحت سمع وبصر السلطات النيابية والعدلية المناط بها إحتضان تلك المرافعة ثم الفصل فيها بأحكام تدين أو تبرئ..مثل هذا الحدث – بقوة العين دي – لايحدث إلا في بلادنا..اقترح لرؤساء تحرير الصحف رفع مذكرة لرئاسة الجمهورية نطالب فيه بتحويل هذه المرافعة الإعلامية الى مرافعة قضائية،( إن لم يكن للمحاسبة، فمنعاً للإزعاج)،أي ليفسد المفسد – إعتباراً من يوم رفع المذكرة – بصمت..وخير لرئاسة الجمهورية أن تلزم المفسدين بالصمت، بدلاً عن ( إحتواء ملفاتهم )..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]