تحقيقات وتقارير

الخرطوم وواشنطن.. الهاجس الأمني وحسابات المصلحة!!

[JUSTIFY]موقف البرلمان خلال جلسته أمس الأول بعد تداوله لبيان وزير الخارجية السوداني بالتعامل بالمثل مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي لم يكن بمعزل عن تصريحات سابقة من قيادات بالمؤتمر الوطني تجاوزت مجرد انتقاد سياسات أمريكا إلى هجوم عليها ووصفها بأنها «الدولة الأكثر عزلة في العالم»، وأن تعاملها مع السودان لا يستحق الاحترام.. وهي نفس التهمة التي يطلقها صقور السياسة الأمريكية على الحكومة السودانية.

خلفية العلاقات السودانية – الأمريكية ودينامكيتها في النظام الحالي تلاحقت التطورات فيه إلى أن أصبحت في واجهة الاهتمامات الدولية، مما قد يؤدي إلى أن تنقلب المعادلات في هذه العلاقة، فتأثر السودان في فترات حكمه المتعاقبة بالسياسة الأمريكية الخارجية منذ استقلاله وإلى الآن، والتي وصلت أوجها ببداية عهد حكم النظام الحالي وتوترها بعد أن تعللت الولايات المتحدة الأمريكية بالقانون رقم «513» الذي يحظر عليها التعامل مع أية حكومة عسكرية تأتي على حساب نظام مدني، ورغم ذلك القرار فقد تلمست إمكانية التعامل مع السودان عبر وفودها المتعاقبة، وبعد أن أبدت الحكومة السودانية مرونة في التعامل مع المصالح الأمريكية في السودان، بينما انحصر أوجه الخلاف بينهما في عدد من النقاط مثلت عوامل التباعد بين البلدين، والتي أظهرت اختلاط المصالح الأمريكية مع سياستها المعلنة في حماية المبادئ والأخلاقيات الدولية، أولها التوجه الإسلامي لحكومة الإنقاذ الذي ترفضه واشنطن.

واستند بعض الخبراء إلى أن السياسات الأمريكية تقوم على حسابات المصلحة والهاجس الأمني، كما استبعد آخرون حدوث أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان مستندين إلى أن الإدارة الأمريكية مرتبطة بإستراتيجيات بعيدة المدى، خاصة وأن الإدراك العام للحالة السودانية عند قادة واشنطن في مجملها سلبي خاصة قضايا دارفور وملف الإرهاب، وهو ما لايغفل عن عين المراقب الحصيف حقيقة استمرار وجود السودان في لائحة الدول التي تتهمها واشنطن بدعم الإرهاب، وأنها ترى أن الوقت لم يحن بعد لرفع الحظر عن السودان الذي تفرضه عليه اقتصاديا وسياسيا وعسكريا منذ بداية الألفية الثالثة، والذي اعتبره البعض استهدافا مستمرا للحيلولة دون استقرار السياسة السودانية الخارجية.

وعلى الرغم من أن العلاقات السودانية الأمريكية بين الشد والجذب بين الرغبة في التطبيع وإيجاد مساحة لفرض شروط كضمان لاستمرار ذلك، والذي لازمه إنجاز حكومة الخرطوم لكل المطالب الأمريكية بغية تحقيق مطمح مشروع للسودان بإقامة علاقات ترتكز على تبادل الخبرات والمنفعة والذي كان دائماً تسوده لغة المصالح الأحادية بسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من مصالحها دون النظر للطرف الآخر، وهو ما ذهب إليه د.آدم محمد أحمد ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري ـ لدى حديثه لـ «الإنتباهة» بقوله إن السودان من الدول غير المهمة لدى أمريكا لعدم وجود ثروات حيوية، مستفهماً عن معنى المعاملة بالمثل والذي يتمركز في الأضرار بالمصالح ومنع المنافع، مؤكدا أن السودان ليس فيه مصلحة أمريكية ليؤثر فيها، وأشار إلى أن واشنطن ـ والحديث لآدم ـ ليست بحاجة للخرطوم في أية منفعة عدا الصمغ العربي، وما يقال مجرد حديث سياسي بعد تنفيذ السودان لكل شروط وطلبات الولايات المتحدة ومتوقع المزيد من ذلك..

«خطوات تنظيم».. قد يكون مصطلحا عسكريا نافذا لتصوير العلاقة ما بين الخرطوم وواشنطن لإعادة تنظيم صفوف العلاقة ما بينهما والتي دوماً ما تجعل قادة المؤتمر الوطني ينادون بقطعها أو اتخاذ أسلوب المعاملة بالمثل، وذلك بعد مسلسل طويل شهد تطورات وتنازلات كبيرة وخطيرة هنا وهناك، وفي ذات الوقت دفع ثمنا غاليا وهو يقاوم من أجل البقاء، ولكن يبقى الوجه الجديد الذي بدأت ملامحه تتضح يميل إلى ما يرضي واشنطن، وهو قد يكون مؤشراً جديداً إلى أن ما يقال في وسائل الإعلام شيء وما ينفذ تحت طاولة المحادثات والاتفاقيات شيء آخر!![/JUSTIFY]

ربــاب علـي _ صحيفة الإنتباهة
ت.ت