نمارق.. ومصفوفة السعادة: طبشيرة آجلاً وتوق للهو معيّة الصويحبات عاجلاً.. هل بالإمكان؟
مقام الوصف لا يستثني صبيحة (السبت) الماضي بمكاتب (اليوم التالي)، إذ أطلّت كالصباح صبيّة حلوة الملامح، بريئة القسمات.. بلا استئذان – سوى محبّة توخّتها في القلوب واعتملت على محيّاها – دخلت علينا، تسبقها طبية وتلقائية الأهالي هناك في (غبيش) الكردفانيّة.. نمارق ذات الـ(8) سنوات لا تكاد البسمة تفارق شفتيها، مثل ما أنّ عصاتين تتوكأ عليهما تلازمان يديها..
الوضع ناجم عن أخطاء طبيّة خصمت من عمرها الزاهر النضر عامين، وسدّ أعمامها الطريق أمامها لفصل الدراسة إلى حين!
اليافعة، بعمرها الصغير، وطموحها الوثاب، مع ثباتها الذي يهزم أخطاء الطبّ فاجأتني بهمسها الطفولي وهي تحدّثني عن أحلامها والسبّورة التي تداعب خيالها، قبل أن تتأسى على ما فاتها: “عايزة أكون (أستاذة) إذا اتعالجت.. وهسّة أنا مشتاقة ألعب مع صاحباتي؛ مي وليلي ويقين”.
الساق اليمنى للصغيرة ضمّدتها جبيرة بلاستيكيّة، رُبطت بإحكام على جروح وكسر ساقها، الذي سقط عليه صهريج ماء كبير قبل حوالي سنتين.. منذها بدأت معاناة نمارق، ومسلسل تردّدها على مشافي البلاد المختلفة، بحثاً عن العلاج في مظانه.. في غبيش، مسقط رأسها أجريت لها عمليّة، ولعدم وجود اختصاصي عظام، ظلّ الوضع كما هو؛ بلا تحسّن.
في الأبيّض مكثت بالمستشفى شهرين، بعد أن أفادت فحوصات المتابعين للحالة بأنه لا كسر في الساق، وأنّ الأمر لا يعدو كونه كيساً دُهنياً وجروحا، سرعان ما ستزول بتناول عقاقير صرفت للصغيرة.. انصرم الشهران ولكن الآلام راوحت مكانها، ولم تغادر الجروح جسد الصبيّة.
في الخرطوم بدأت فصول رحلة نمارق الجديدة مع المعاناة.. كل متاعب الأخطاء الطبيّة وحكاوى سوء التشخيص التي يتسامعها الناس تهون قُبالة مأساتها التي احتملتها بعزيمة وجلد كبيرين، بعد أن أجرت (8) عمليّات، آخرها كانت عبارة عن ترميم الكسر، بأخذ جزء من عظم الساق، ومن ثم التئامه بالساق المكسور.
شقيق نمارق الأكبر محمد، أبلغ (اليوم التالي) أنّه: عند تغيير (الشاش) برز عظم الساق على نحو غير طبيعي، ما جعلنا نشعر بالشفقة على أختنا الصغيرة، وعند آخر طبيب اختصاصي في الخرطوم استقرّ الأمر على أنّ الصغيرة أصبح التهاب الساق ملازماً لها بصورة دائمة، ما يجعله لا يقوى على إجراء علميّة، إلا بعد زراعة للساق، ربما تكللت بالنجاح حال تنزّلت ألطاف الله وتقديره، وقُيّض لها أن تجريها خارج البلاد.
حسناً.. خطوة أخرى صوب الشقّ العملي من المسألة؛ الأسرة يعوزها توفير مبلغ العلاج، بعد أن أرهقها التردّد على مشافي العلاج لعامين متواصلين، وهي في انتظار الفرج من الله، ثم من أهل الخير، للأخذ بيد الصغيرة حتى تعود لها عافيتها وتمارس حياتها، تماماً مثل مي وليلي ويقين، وبقية الصغيرات من عصافير بلادي
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]