د. ربيع عبدالـعاطى : تصحيح للأخطاء أم تعديل للمسار
والمسألة المطروحة، لا تعني بالضرورة أن نجلد ذواتنا، ونبخس قدراتنا، ونحط من قيمة الانجاز الذي تحقق والجهد الذي بذل، وإن فعلنا ذلك، فهو من قبيل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، ولا يصلح من قوم أن يحرقوا ثمارهم، أو يقتلوا مشاعر الأمل في نفوسهم بوأد صالح الأعمال، وإهالة التراب للعنصر الحي الذي إن تركوه لنمى كالشجرة الطيبة الباسقة التي ستناطح ذرى المجد وتعانق عنان السماء.
ومما يجعل المرء مستاءً، عندما يرى فرداً أو مجموعةً كانت تعمل في منظومة واحدة، فإذا بهم ينفضون أيديهم منها بأعذارٍ لا ترقى إلى درجة القطيعة، والنقد الهدَّام، فالبناء وأي بناء، قد تصاحبه أخطاء في مراحله المختلفة، بدءاً بالقواعد وانتهاءً بالتشطيب، وجلب التجهيزات، واختيار الأثاث، وما يتبعها من خدمات وتسهيلات. وقد يكون مقبولاً بذل الرأي بالمتابعة والتقويم المستمر لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وتعديل الجوانب القابلة للتعديل، ولكن الذي يعتبر الخطأ عيباً، وإثماً غير قابل للغفران، إنما عليه ألا يتردد لاستدعاء مرجعياته التي تنص على أن كل ابن آدم خطاء، وان خير الخطائين التوابون.
والذين يتطلعون نحو توسيع مواعين الشورى لا يناطحون أهل مبادئهم، ولا يتمترسون عند سقوفات الآراء التي ظلت مسيطرة على أمخاخهم، باعتبار أن الشورى رهينة بالاستجابة لما يعتقدون، ذلك لأن الرجل أو المرأة اللذين يؤمنان بقيمة الشورى، يتعمق لديهما مفهوم بأن للفرد رأياً، قد يكون صحيحاً يحتمل الخطأ وقد يكون خطأً يحتمل الصاب.
والاسلاميون باعترافٍ منهم يقولون إنهم ليسوا ملائكة مبرأين من الزلات والهنات، لكنهم بشر يخطئون ويصيبون، وهذه نظرة واقعية تتنافى مع ركوب الصعب، والقفز فوق الوسع، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومع ذلك فإن التكليف بالمهام العامة، والمسؤوليات الجسيمة، يقتضي حشد الإرادة بتجويد الأداء، وأي أداء لا يصل إلى مداه المرضي إلا بالتصويب والمراجعة في مراحل متعددة دون استعجال أو ارتجال.
ورحم الله شهيد الإسلام سيد قطب الذي قال إن المشروعات الطموحة والغايات النبيلة لا يعتسف أصحابها الوسائل ولا يستعجلون للوصول إليها، وضرب مثلاً بأولئك الذين يؤمنون بالمبادئ الأرضية، والقوانين الوضعية، فيقهرون شعوبهم بالقوانين والعقوبات، ظناً منهم أنَّ مثل هذا الأسلوب هو الذي يختصر الطريق ويختزل الزمن، بينما هم يخسرون كثيراً وتخسر شعوبهم، ويعود معظمهم بعد طول التجربة وعظيم التضحيات بخيبة الأمل، ومرارة الفشل، وألم الحرمان.
والواقعية تقتضي أن تمرحل الخطوات، وترسم الخطط بحيث يبقى الإنجاز مرتبطاً بما هو ممكن ومتاح، والذي لا يتم اليوم يتم غداً أو بعد الغد ولو شاء الله لخلق الأرض والسموات في يوم واحد، غير أن حكمته اقتضت أن يكون خلقهما في ستة أيام. وما يسري على ما ذكر آنفاً، يسري على موضوعات كثيرة وجوانب مختلفة بغرض تصحيح الأخطاء، وتقويم الأداء.
فالتواصل بين الأجيال لا يأتي بعشوائية أو اختيار ليس له معيار.
وتسنم الشباب للمناصب العليا بالدولة لا يفرض فرضاً وإنما يفرضه منهج التأهيل والتدريب، وانتقال المنصب من شريحة إلى شريحة مع عدم الاستغناء عن شريحة فتجد نفسها على حين غرة، هائمة على الأرصفة وقارعة الطريق.
وتشغيل العاطلين عن العمل، لا يتحقق إلا بإيجاد أوعية ونشاطات تسمح لهم بإبراز قدراتهم واستيعاب طاقاتهم.
ويكفي مثلاً لذلك تلك الكفاءات التي كانت مطمورة، ولا يعرف عنها أحد صرفاً ولا عدلاً، لكنها برزت عندما نشأت قنوات فضائية كثيرة وإذاعات وصدرت صحف يومية. وعندها اكتشفنا أن مستودع كفاءاتنا الإعلامية الذي كان في موقع خفي، قد استطعنا أن نستجلب منه مقدمي برامج وكتاب أعمدة وأصحاب مهارات في الحوارات والمناظرات لا يشق لهم غبار.
والتصحيح والتصويب في مسار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ينبغي أن يكون منهجاً مستمراً مراعياً للأصول والقواعد والتسلسل الذي قام عليه علم الحساب.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش