رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : اجتمعوا لندرة «الخبز» وليس الدقيق !!


[JUSTIFY]لو كانت للدولة مخابز حكومية ضخمة مثلما لها شركة مواصلات يسع البص الواحد فيها مقدار ما تحمله خمس حافلات إذا وضعنا «الشمّاعة» في الاعتبار، لما مرّت الولاية العاصمية بمشكلة ندرة الخبز مع وجود «الدقيق» الكافي. فهي ليست «اقتصاد ندرة» يتوجس منه اقتصاديو الحزب الحاكم، وإنما «توزيع ندرة» لو جاز التعبير، وسببه هو أن الدولة لا تريد لأسعار الخبز أن تزيد مع الزيادة العامة لكل السلع بعد رفع الدعم عن المحروقات بصورة جزئية كما يقال. فهي تريد أن يدفع لها أصحاب المخابز جزءًا قاسياً من ثمن سياساتها الإصلاحية الأخيرة. والمواطن من جانبه يرفض تماماً ويلح على ألا يزيد سعر الخبز، لأنه يتخوّف جداً من عدم الالتزام بالوزن بعد الزيادة «المستحقة» حسب الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد الآن. وطبعاً ستمر بأسوأ منه لأن مسلسل زيادة الأسعار لا حلقة أخيرة له، ولنقل منذ الاستقلال 6591م بغض النظر عن أنواع وأشكال الحكومات. إذن يمكن أن يكون الحل التوفيقي في أن يلتزم أصحاب المخابز بوزن متفق عليه فلا يلجأ المواطنون إلى السلطات الإدارية في المحليات، وإذا ضمن هذا تماماً يمكن أن نقول بعد ذلك ما ذنب صاحب المخبز يريدونه أن يخسر؟!. وما ذنب المواطن يريدونه أن يجد المخبز مغلقاً دون طوع صاحبه بعد الخسارة المحققة؟!. لكن هل الالتزام الأخلاقي لأصحاب المخابز سيكون كفيلاً بمثل هذا الحل التوفيقي؟! إن اتحاد المخابز هو المعني بلفت نظر أصحاب المخابز وتوعيتهم بمآلات أي تلاعب في وزن الخبز. وأغلب المواطنين السودانيين يمكن أن يتجهوا إلى بدائل لهذا الخبز بإنتاجه في البيت بصورة أو أخرى. فالمشكلة هي «توزيع ندرة» وليس «اقتصاد ندرة»، ولعل النتيجة هي أن تتوفر كميات كبيرة من الدقيق. فندرة التوزيع تسهم في تجنب اقتصاد الندرة.. إذا كانت البلاد تمضي نحوه. فكل شيء أصبح متوقعاً. وعادت أحلام الشباب من جديد بالهجرة من الوطن على مضض. كان الأمل قبل ربع قرن هو تنزيل شعارات الإسلاميين الاقتصادية إلى أرض الواقع لكن الواقع هو أن التغيير لا يمكن أن يكون لصالح إصلاح وضع اقتصادي أو أمني وراءه مشروع تآمري أجنبي، وإنما يكون التغيير لصالح إصلاح أوضاع قانونية وأخلاقية في حدود الممكن. أي يمكن أن يكون التغيير لاستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق القوانين الإسلامية ووضع المجتمع في طريق الجادة. ويمكن أن يكون التقويم والتقييم في هذا. وحينما نقول هنا أوضاع أخلاقية نقصد محاربة الفساد بكل أنواعه وأشكاله فقد يكون سبباً لتدهور الوضع المعيشي، وكثير من الناس الآن يتحدثون عن أن هناك مالاً عاماً مجنب موازٍ للمال العام تحت ولاية وزير المالية، ولو كان المجنب تحت ولايته لما اضطرت الوزارة لرفع الدعم بنسبة كبيرة قاسية على المواطن.

إذن لا نطالب الحكومة بالأرزاق لأن الرازق هو الله وحده لا شريك له، لا حكومة ولا قمة اقتصادية ولا غير ذلك، لكن نطالبها بأن تأخذ بالأسباب التي تفتح أبواب الرزق والرحمة مثل الإصلاحات الأخلاقية لمحاربة الفساد وذيوله، لأن هذا سيغنيها من أن تدخل في ورطة مع المواطن حينما تضطر اضطراراً للقيام بإجراءات إصلاحية وعمليات اقتصادية مؤلمة بدون «بنج» مثل رفع الدعم بهذا القدر.

ما دام أن البلاد بها «الدقيق» والحمد لله، وما دام أن الحكومة حريصة كل الحرص على ألا يزيد سعر الخبز أو يقل وينقص وزنه بسعره القديم أو الجديد الواعد. فإن المهم هو تكثيف الجهود لتجنيب البلاد اقتصاد الندرة.. بأن تسعى لوضع كل المال العام تحت ولاية وزير المالية، حتى مال «التسيير» يكون تحت ولايته لكي لا يكون حجة على المواطن المغلوب على أمره. نحمد الله أن المشكلة هي «توزيع ندرة» مع وفرة «الدقيق» وليس اقتصاد ندرة تمتد يده للدقيق.

اجتماع النائب الأول علي عثمان ووالي الخرطوم الخضر ومحافظ بنك السودان محمد خير الزبير وغيرهم من المختصين بالشأن مؤخراً كان لحل مشكلة ندرة توزيع الخبز. ومفهوم ما هو السبب الذي أدى إلى الندرة. والمطلوب معالجته بإلزام أصحاب المخابز بمقدار «الوزن» وبألا يكونوا من المطففين.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]