رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : عودة «الصادق» وصفوفه

[JUSTIFY]إذا كانت بعض مجالس المدن والقرى السودانية وربما بعض غير السودانية تهمس بالحديث أو تجهر حول عودة السيّد الصادق المهدي إلى الحكم بطريق آخر غير ذاك الذي كان عام 1968م و1986م وبمستوى صلاحيات مختلف، أى شكلاً بلا مضمون طبعاً كرئيس وزراء بأعباء «مساعد رئيس أو وزير»، فإن هذا يتزامن الآن مع التخوّف الشعبي من عودة صفوف الخبز التي كانت في عهده الذي كان فيه صاحب القرار، وكانت تلك الصفوف واحدة من الأسباب التي طرحها قائد التغيير البشير للانقلاب على الحكم المنتخب، ومن أهم الأسباب كانت مشكلة الجنوب أيضاً.. فهل يتأهب السيّد الصادق للعودة بصورة أو أخرى ومعه تعود الصفوف ومشكلة الجنوب التي انتقلت إلى الغرب؟! هل الشعب موعود بمشاهدة مشاهد من فيلم الديمقراطية الثالثة الأمني والاقتصادي في شاشة هذه الحكومة؟!

هل سيحدث هذا بعد ربع قرن من الزمان؟!. وهل «ضرورة المرحلة الآن» هي تقسيم المسؤولية الوطنية التي أشفق منها عبود وسوار الدهب على الجميع؟! نعم ونحن هذه الأيام نستنشق في مناخ ذكري تسلّم عبود في 17 نوفمبر 1958م للحكم يداً بيد من رئيس الوزراء ووزير الدفاع عبد الله خليل نستنشق في هذه الأيام ذكريات سياسية نقلت البلاد من الديمقراطية الأولى إلى عهد شمولي بالمعنى الحميد نسبة لعملية «التسلم» ثم «التسليم»، نقول بأن الفرق الجوهري بين فترة عبود وفترة سوار الدهب هو أن الأولى كانت ستة أعوام بينما كانت الثانية عاماً واحداً فقط لا غير.. هكذا كان مكتوباً في الشيك السياسي للفترة الانتقالية. ولقد جاءت فترة سوار الذهب الانتقالية بعد اطاحة حكم نميري الذي كان نصف فترته الأولى من عام 1969م إلى عام 1977م بشمولية خبيثة فقد جمعت الشيوعيين ثم منصور خالد وغيرهما ممن لا علاقة لهم بالديمقراطية والحريات والنصف الثاني من الفترة النميرية تحول إلى شمولية حميدة بعد المصالحة الشهيرة لكن جاءت الانتكاسة بعد إلغاء المصالحة وتسويق تحريضات عمر محمد الطيب لنميري ضد الانفتاح السياسي وكأنه خاف على مصالحه.

وحينها ألْفَت النقابات حماية البلاد من العودة إلى الشمولية الخبيثة شمولية النصف الأول المُر من حكم نميري. وبعد فترة سوار الذهب الانتقالية القصيرة جداً جاءت الديمقراطية عائدة لكنها تجر ذيول الضعف والهوان، فكانت الظروف المؤلمة من صفوف لشراء السلع وسوء أمن يزداد يوماً بعد يوم في الجنوب ونهب مسلح في الغرب وأمراض فتاكة في الشرق كل هذا مربوطاً بخناقها وملتصقاً بصدرها ومعلقاً على كتفها وممسكاً بيدها، فكانت هي الأسباب لتحرك 30 يونيو 1989م. الآن وبعد أكثر من ربع قرن مرَّت على تلك الظروف «الديمقراطية والصادق والصفوف» ذاك الثلاثي العجيب. فإن هناك من يهمس أو يجهر بالقول بأن الصفوف والصادق قد يعودان، لكن السؤال الذي لعله محرج نطرحه هنا على السيد الصادق ومن يصادق الصادق ويعرف شعار لا نصادق غير الصادق هو هل الصادق والصفوف سيعودان بعد كل هذه الغيبة الطويلة؟!

غيب وتعال تلقانا نحنا..
يانا نحنا..
لا هدّتنا الظروف..
ولا هزّتنا محنة..

لكن نائبة رئيس البرلمان سامية أحمد محمد قالت لا ينبغي أن نعيد إلى الأذهان صور صفوف الخبز هذا أمرٌ مرفوض وليس هناك أسباب حقيقية تستدعي وجود هذه الصفوف».. انتهى. إذن حرص البرلمان على ألا يعود الصادق ـ إذا عاد ـ بصفوفه وظروفه. إن حساسية البرلمان الحالي المسمّى المجلس الوطني أعلى من ذاك الذي كان يسمّى أيام الصادق الجمعية التأسيسية وهو الاسم الديمقراطي القديم في السودان الذي لم يتغير. أيام الصادق لم يكن الدقيق متوفراً في السوق كما الآن، وسامية لا تريد صفوفًا مع وفرته. فالبلاد حتى الآن موقاة من اقتصاد الندرة، وهي المرحلة التي تلي في المرض الاقتصادي مرحلة الغلاء الطاحن. أي هي التايفويد بعد الملاريا. وحساسية المجلس الوطني العالية تتولد من أن الأغلبية النيابية فيه للحزب الحاكم وهي أغلبية مطلقة لا تتأثر إطلاقاً بأية تكتلات يمكن أن تؤثر على مشروعات قرارات الحزب الحاكم.

المهم هو أن يحذر الصادق إذا أراد العودة في اطار هذه الحكومة من أن تتزامن مع عودة صفوفه.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]