هنادي محمد عبد المجيد
تساؤلات حول الخضر عليه السلام
روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم :{ إنما سُمّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء } والفروة هي الحشيش الأبيض أو الهشيم اليابس ، وقيل الفروة هي الأرض البيضاء التي لا نبات فيها .
وقال الخطابي : إنما سُمي الخضر خضراً لحُسنه وإشراق وجهه ، وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيحين ، وقال مجاهد : إنما سُمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضرّ ما حوله ، وتقدم أن موسى ويوشع عليهما السلام حين رجعا يقصان الأثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر ، وهو مُسجى بثوب ، قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه ، فسلم عليه السلام فكشف عن وجهه فرد وقال : أنى بأرضك السلام ؟ من أنت ؟ قال : موسى ، قال : موسى نبي بني إسرائيل ؟ قال: نعم ،، فكان من أمرهما ًما قصه الله في كتابه عنهما ، وقد دل سياق القصة على نبوته من عدة وجوه ، أولها هذه الآية [ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبادِنَا آتيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِناَ وَعَلّمْناهُ مِنْ لَدُناّ عِلْما ] .
والوجه الثاني : قول موسى له : [ هَلْ اتّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلّمَنِي مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً ، قَالَ فَإِنْ اتّبَعتْنَيِ فَلَا تَسْأَلنِْي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ] فلو كان ولياً وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة ، ولم يرد على موسى هذا الرد بل سأله موسى الصحبة لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه ، فلو كان غير نبي لم يكن معصوماً ، ولم تكن لموسى وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة كبير رغبة في علم ولي غير واجب العصمة ، ولما أمضى حقباً في البحث عنه ، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظّمَه واتبعه في صورة مستفيد منه ، ما دل على أنه نبي مثله يوحى إليه بالعلوم اللدنية والأسرار النبوية بما لم يطلع عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم ،، والوجه الثالث الذي يدل على نبوة سيدنا الخضر عليه السلام : أن أقدم على قتل ذلك الغلام وما ذاك إلا للوحي إليه من ملك الوحي وهذا دليل مستقل على نبوته ، وفي هذا برهان ظاهر على عصمته لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس ، ولما أقدم الخضر على قتل ذاك الغلام الذي لم يبلغ الحلم علما منه بأنه إذا بلغ يكفر ، ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه ، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته ، ودل ذلك علي نبوته وأنه مؤيد من الله بعصمته .. أما الوجه الرابع : أنه لما فسر الخضر عليه تأويل تلك الأفاعيل لموسى عليه السلام ووضح له حقيقة أمره ، قال بعد ذلك كله : [ رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ] يعني ما فعلته من تلقاء نفسي ، بل أمرت به وأوحي إليّ فيه ، فدلت هذه الوجوه على نبوته .
ومن التساؤلات التي شغلت الأذهان ولا زالت : هل نبي الله الخضر ما يزال على قيد الحياة ؟ ،، وفي ذلك وردت الكثير من الأحاديث الموضوعة وقد تصدى لها الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتابه ( عُجالة المنتظر في شرح حالة الخضر ) فبيّن ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها ،، وقد إحتج بأشياء كثيرة ، منها قوله تعالى : [ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدْ ] الأنبياء ٣٤ فالخضر إن كان بشراً فقد دخل في هذا العموم ، ولا يجوز تخصيصه إلا بدليل صحيح .
قال تعالى : [ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النبّيينَ لَمّا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَة ثُمّ جَاءَكُمْ رَسولٌ مُصَدّق لِمَا مَعَكَمْ لِتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلتَنصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُم ْوَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أقَرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدوا وَأَناْ مَعَكُمْ مِنْ الشّاهِدينْ ] آل عمران ٨١ .
قال عبدالله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني } ،، وقد دلت هذه الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعاً له ، وتحت أوامره وفي عموم شرعه ، كما أن صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء ، رُفع فوقهم كلهم ، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة ، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم ، فصلي بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم فدل على أنه الإمام الأعظم ، والرسول الخاتم المبجل المقدم ،، فلو كان الخضر عليه السلام حياً لكان من جملة أمة محمد وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك .. فلو كان الخضر عليه السلام حياً لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته ، سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات ؟ فقال : نعم ، قال : وكان يحتج بأنه لو كان حياً لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، ثم ما الحامل له على هذا الإختفاء وظهوره أعظم لأجره وأعلى في مرتبته وأظهر لمعجزته ، ثم لو كان باقياً بعد سيدنا محمد لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية والآيات القرآنية وإنكاره لما وقع بعد النبي من الأحاديث المكذوبة والعصبيات والبدع ،، وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في آخر حياته صلى العشاء فلما سلم قام فقال : { أرأيتم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد } أخرجه البخاري ومسلم .. قال ابن الجوزي هذه الأحاديث تقطع دابر دعوى حياة الخضر ، وإن كان قد أدرك زمانه فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة فيكون الآن مفقوداً لا موجوداً لأنه داخل في هذا العموم .
هكذا علمنا أن سيدنا الخضر عليه السلام ، صاحب العلم الباطني هو نبي من أنبياء الله الموحى إليهم بوحي السماء وأن أفعاله ماهي إلا أفعال بأمر له من الله ، وأنه نبي له معجزات ظاهرة للعيان ،وأن اسمه الحقيقي غير معلوم ولا نسبه ولا زمانه غير مؤكد ، وأنه توفي في زمن غير معلوم في مكان غير معلوم لحكمة يعلمها الله وحده ، وأن وفاته كانت قبل عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلاف ما يقال أنه لا يزال حيا حتى الآن ويظهر من الحين للآخر ، فهذا زعم غير صادق ، ويدخل في حالة الأوهام والتخيلات العارية من الصحة والمنطق .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/SIZE]