هنادي محمد عبد المجيد

برنامجي الإنتخابي للرئاسة‏

برنامجي الإنتخابي للرئاسة‏
هو المفكر الذي لم يسكن يوماً الأبراج العاجية ، بل نزل إلى الشارع المصري وتولى مهامه كمُنسق لحركة كفاية ، ليُحارب أورام الفساد في وقت كان يُحارب فيه مرض السرطان ، ( عبد الوهاب المسيري ) الحاضر الغائب والثائر منذ أمد بعيد – وسوف أعاود الحديث التفصيلي عنه في وقت لاحق بإذن الله – قد كتب الأستاذ الراحل قبل وفاته مقالة لم تُنشر عام ٢٠٠٥م ، ولكن وَجدَتْ طريقها للنور بعد قيام الثورة المصرية ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١٢م ،، وهذه المقالة بعنوان ( برنامجي الإنتخابي للرئاسة ) .. كتب المُفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري قائلاً : « طلبَتْ مني إحدى المجلات – التي يُقال لها قومية – أن أكتب برنامجي الإنتخابي لو اُنتُخِبْتُ رئيساً للجمهورية ، وقد وجدتُ أنّ الفكرة طريفة ومبدعة ، فاتصلتُ ببعض الأصدقاء واستشرتهم في الموضوع وكتبتُ هذا البرنامج ، مع العلم أنني لا أنوي ترشيح نفسي في هذه الدورة ، حيث أنني أعلنتُ في أحد المؤتمرات أنني سأذهب إلي فنزويلا مدة خمس سنوات لأخذ دورة تدريبية في كيفية التصدي للولايات المتحدة ، لأن فنزويلا دولة صغيرة ، وتقع على بُعد عدة أميال من الوحش الأمريكي الكاسر ومع هذا لها أولوياتها وتوجّهاتها التي لا يوافق عليها الوحش ، بينما ترتعد فرائص نخبنا العربية الحاكمة منه ( انظر كيف امتنعوا عن الذهاب إلى القمة العربية اللاتينية بسبب الضغط الأمريكي ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن تفلت بلاد الجنوب من قبضتها !)هل هذا يعود إلى أن جماهير الشعب تقف وراء شافيز ، بينما تقف نخبنا الحاكمة عارية أمام الوحش الكاسر ؟ وهل هو وحش كاسر بالفعل؟ أم أن موقف شافيز يدل على أنه يمكن تحطيم أسنانه وتقليم أظافره ؟ الله أعلم .
وبالمناسبة بعد أن كتبت برنامجي الإنتخابي التفصيلي ، لم تتصل بي المجلة التي يُقال لها ( قوميّة ) وصدر العدد دون إسهامي وإسهام أصدقائي ، المهم فيما يلي البرنامج : *
الدولة الديمقراطية الحقيقية لا بُد أن تكون دولة مؤسسات ، بمعنى أنه حتى لو اُنتخب رئيس الدولة بطريقة صحيحة ، لا يزال من الضروري أن تكون هناك مؤسسات استشارية تحلل له الموقف وتعطيه تقديراتها بخصوص المستقبل ، فالدولة الحديثة مركبة إلى أكبر حد ولا يمكن لفرد واحد ( مع شلة محيطة به ) أن يتّخذ قراراً سليما دون مُساعدة الخبراء والمتخصصين ، ومن هنا ضرورة أن تكون صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة ، وتُقيّدها المؤسسات والمجالس النيابية المنتخبة .
ولعله من المُستحسن الإبتعاد عن النظام الرئاسي تماماً ، ليحل محله نظام برلماني ، كما يجب تحديد المرّات التي يُسمَح بها لشخص ما أن يتولى رئاسة الجمهورية بمرتين .
*الدولة الديمقراطية الحقة تتوافر فيها الصفات التالية : – الفصل بين السلطات وسيادة القانون .
– إلغاء قانون الطوارئ وكل القوانين السالبة للحريات .
– حرية تشكيل الأحزاب .
– إطلاق حرية النقابات المهنية والعمالية والنوادي الرياضية وإطلاق حرية الحركة الطلابية .
– إطلاق حرية التظاهر والإضراب السلمي والإجتماع دون قيود طالما كانت سلمية وغير مسلحة ، حتى تظل النُّخبة الحاكمة على صلة بالجماهير .
– على كل كبار الموظفين ( بما في ذلك رئيس الجمهورية ) أن يُقدموا كشفاً بذمتهم المالية عند دخولهم الحكم ثم عند خروجهم منه .
– لا مركزية القرار مسألة مهمة تساعد على أن يكون القرار مرتبطاً بالجماهير ومشكلاتها ، ومن ثم يجب إعطاء صلاحيات أكبر للمحافظين ، كما يجب أن تكون كل المناصب القيادية بالإنتخاب .
– لا بد من إطلاق حرية تكوين الجمعيات الأهلية التي تُسمى الآن جمعيات المُجتمع المدني ( غير الحكومية) على أن يكون تمويلها من الداخل ، حتى تكون أهلية بالفعل ، ولعل إعادة مؤسسة الوقف التي تم إلغاؤها في أوائل الخمسينيات قد يساعد على حل مشكلة التمويل .
– سأؤكد أن العدو الإستراتيجي لمصر على وجه الخصوص ، وللعرب والمسلمين على وجه العموم ، هو الدولة الصهيونية وأن التوجه العام لمصر لتستعيد مكانتها التي فقدتها ولتحقق استقلالها واكتفاءها الذاتي هو أن تتوجه شرقاً وجنوباً ، ابتداء بالعالم العربي ثم العالم الإسلامي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، مع عدم استبعاد إمكانية توثيق العلاقة مع بعض الدول الأوروبية ، خاصة فرنسا وألمانيا وإسبانيا ، وفي عصر التكتلات الإقتصادية الكبرى ( الولايات المتحدة ، الإتحاد الأوروبي ، الصين ) وغيرها ، يصبح شكل من أشكال الوحدة العربية أمراً حتميا .
* من المسائل التي يجب أن أحددها هي علاقة الدين بالدولة ، وسأطرح تصوراً بأن القاعدة الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والمسيحية تصلح كإطار لتوليد عقد اجتماعي جديد ، وبذلك يمكن أن يكون الإسلام هو المرجعية النهائية للمجتمع ، فهو إطار حضاري للمسلمين والمسيحيين وهو إطار ديني بالنسبة للمسلمين لا يستبعد الآخر طالما أنه ربط مصيره بمصير هذه الأمة ، وطالما أنه يقبل القاعدة الأخلاقية المشتركة .
* التوجه العام على مستوى الداخل سيؤكد العدالة الإجتماعية ومعالجة الفجوة الهائلة بين قلة من الأغنياء والأغلبية الساحقة من الشعب ، كما يجب أن تضمن الدولة حدا أدنى من الضمان الإجتماعي والرعاية الصحية لكل المواطنين ، وتأكيد أهمية القطاع العام مع الإعتراف بأهمية القطاع الخاص وما يسمى بالرأسمالية الوطنية ، وإصلاح الخلل في البِنية الإقتصادية وإعادة مُعدلات التنمية إلى ما كانت عليه ، ومن ثم يمكن حل مشكلة البطالة .
* من القضايا الأساسية التي سأثيرها وأحارب ضدها هي قضية النزعة الإستهلاكية الشرسة التي أمسكت بتلابيب المجتمع المصري ، ويمكن الحرب ضدها داخل إطار قانوني من خلال إصدار تشريعات مثل حظر نشر الإعلانات المضللة وضرورة أن يحتوي الإعلان على المعلومات الحقيقية ، كما يمكن أن تفرض الضرائب على السلع الإستهلاكية وعلى مظاهر الإستهلاك السفيه مثل حفلات الزواج وأعياد الميلاد ، كما يمكن للإعلام أن يوعي الناس بالعواقب الوخيمة لتصاعد مُعدلات الإستهلاك وربط المكانة الإجتماعية والتقدم بالإستهلاك .
* ضمان نزاهة الإنتخابات وعدالتها من خلال آليات معروفة ، مثل إشراف السلطة القضائية ومندوبي الأحزاب ، وتحديد المبالغ التي يمكن للمرشح إنفاقها على حملته الإنتخابية .
* إستقلال المؤسسات الإعلامية ( بما في ذلك الإذاعة والتلفزيون ) عن الحكومة حتى يمكنها أن تقوم بعملية المراقبة ، وعلى الإعلام أن يفتح أبوابه لكل من ممثلي الحكومة والمعارضة ، خاصة أثناء الإنتخابات .
* مُساءلة كل المؤسسات والأشخاص ، على أن تقوم بعملية المساءلة جهات مسئولة مثل البرلمان ، تساعده هيئة الرقابة الإدارية والإعلام .
* لا بُد أن يمنع النظام الجديد تسمية أي مؤسسة ( مدرسة أو ميدان عام أو شارع …إلخ) بإسم رئيس جمهورية مصري على قيد الحياة ، وأن لا تعلق صورته في المؤسسات الحكومية أو في الأماكن العامة ،، كما يجب أن يمنع نشر الإعلانات المدفوعة الأجر التي يعلن فيها العاملون في مؤسسة ما تأييد الرئيس أو الوزير الفلاني أو المحافظ ، وإعلانات التعزية لرئيس المصلحة أو وكيل الوزارة لوفاة أحد أقاربه ! وتمنع المهرجانات التي تحتفل بمناسبة خاصة مثل عيد ميلاد الرئيس ».
عزيزي القارئ بين يديك نُسخة مُخلَصَة من وصية تركها مُفكر عالمي جدير بالثقة والإحترام ، فلتُعمِل فيها عقلك الرشيد وتستخلص منها الحكمة التي كُتِبَتْ من أجلها ، فأنت أولى وأجدر بفائدتها ، وبإمكاننا إستبدال إسم مصر بإسم أي دولة عربية أخرى فكلنا في الهم سواء .

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/SIZE]