قراءة للمشهد السياسي بعد التشكيل الحكومي «2»
رغم التشكيل الجديد والتغيير المنتظر الآن هناك ملامح للتوزيع القبلي والإثني تتمظهر في المناصب على سبيل الترضيات السياسية؟
حتى وإن كانت جاءت بقصد أو دون قصد، فإن التمظهر القبلي والإثني مشهد ضار بالبلاد، وها نحن نبعثها من جديد بعد أن كادت تنتهي، وفي السياسة يجب أن يكون المقياس بالكفاءة والجدارة وليس بالقبلية، فأنا لدي دراسة قدمتها في هذا المجال عن اضمحلال القبلية في السودان منذ الاستقلال الى عام 1965م، بدأت بمؤتمر البجة، وبنهضة دارفور، واتحاد عام جبال النوبة كجهات، والآن انتقلنا من الجهات الى جبهات، فالآن مؤتمر البجا ست جبهات ونهضة دارفور عشرات من الحركات الدارفورية، واتحاد جبال النوبة أيضاً العديد من الجهات.. بالتالي السودان السياسي فيه قبلية، وتاريخنا كان قائماً على تحالف القبائل في مملكة تقلي وسنار ودارفور رغم اختلافها الثقافي، لكنها أسست دولاً وظلت هكذا الى مابعد الاستقلال، فدارفور وكردفان والنيل الأبيض في حزب واحد.. والشمالية ونهر النيل والجزيرة وشرق السودان كانوا في حزب واحد، وبعد 1965م بدأ الانشطار لهذا سميتها ردة سياسية والمعالجة صعبة جداً لأن الناس يتحدثون عن كوتات ويتحدثون عن مجلس شورى قبيلة(س) ومجلس شورى قبيلة (ص)، وهذه القبيلة لم يكن لها مجلس حينما كانت قوية زمان، لكن الآن أصبح لها مجلس وكيان جديد وأصبحت الردة السياسية علاجها صعب جداً، وعشان نعالجها نحتاج نغير النظام الحزبي والنظام الانتخابي الجغرافي أي أن لا حزب يمثل فقط جهة فلابد أن تكون قومية المنهج، وكذلك الانتخاب يكون بتمثيل نسبي قومي وليس تمثيلاً جغرافياً لتكون المسألة قومية بين الأحزاب… وهذا ليس هو العلاج الناجع للمشكلة القبلية بل هو العلاج العاجل لأننا بعد ذلك نحتاج الى تربية وطنية سياسية لنفهم معنى وطن واحد يسع الجميع، وأن الجيل القادم خالي الذهن من القبلية
إذا هل سيغير هذا التشكيل الوزاري الجديد من ملامح المشهد السياسي ويلقي بأثره داخلياً وخارجياً في المرحلة القادمة؟
– لا اعتقد ذلك لأن التأثيرات الداخلية مازالت موجودة على الأرض من معارضة مسلحة امتدت حتى ولاية غرب كردفان وشمال كردفان، ومازالت تنشط في ولاية جنوب كردفان، مع هدوء في ولاية النيل الأزرق، ولكن لا ينفي عدم وجودها.. وكذلك أشارت الى تزايد الأحداث في دارفور، وكأننا نعيش عودة الحرب مرة أخرى، ومع الإشارة الى انفجارات الشرق والتلويح بشيء ما، هناك إذن مشهد سياسي معقد أمام الحكومة الجديدة، وعليها عبء كبير لمعالجته، وأول عقبة هي مشكلة الاقتصاد وغلاء المعيشة، وهنا اذكر بحديثي عن السياسات التي تحتاج الى معالجة هذا داخلياً يوضح أن الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي مازال مستمراً، ويحتاج الى إرادة سياسية للحل.. أما الأثر الخارجي فهو كبير للأسف واعتقد أنه مؤثر بشكل كبير على استقرار السودان.
مقاطعاً.. هل الأثر الخارجي بضغوطه على السودان في حالة زيادة أم ثبات أم تراجع؟
– الأثر الخارجي هو أثر دولي واقليمي والدولي ممثل في أوربا وأمريكا والاقليمي دول الجوار الافريقي والدول العربية، وهي علاقات صاعدة هابطة على مستوى الأحداث ولها ظلالها فعلى المستوى الغربي يمكن القول إن هناك تحسناً في العلاقات مع المانيا وفرنسا وبريطانيا ولكن يبقى العداء الاميركي قائماً.. أما عربياً فعلاقاتنا مع السعودية متوازنة تتوتر متى ما ظهرت ايران على المشهد السياسي السوداني.. أما شمالاً فيمكن أن نقول إن مصر عملت ضد الإنقاذ أيام مبارك وحاولت إن تطوع السودان بشغل أمريكي، ولا نستبعد أن تكون لمصر يد كبيرة في ظواهر الفساد التي عمت السودان، فكثير جداً من أشكال الفساد في مصر امتدت الى السودان، خاصة في مسألة الشركات الخاصة، فهذا أسلوب الحزب الوطني المصري أيام مبارك فيما عرفت بالدلوة العميقة مابين رجال المال والسياسة وانسحب هذا على السودان، ولكنه تغير بعد الثورة واعتلى مرسي الذي لم يصمد ليأتي السيسي، وتعود مصر غامضة تجاه السودان أم ليبيا، فحيدت تمام بعد القذافي بينما كسب السودان تشاد واثيوبيا، وبقي على مسافة من يوغندا وكينيا وظلت علاقته بدولة جنوب السودان متذبذبة، وإن استقرت مؤخراً هذه كلها تأثيرات خارجية اقليمية تلعب دوراً في الاستقرار الداخلي للحكومة وتعاملها مع الخارج والمحيط، وتحتاج الى دبلوماسية عالية ماهرة.. إذا يمكن القول إن الأثر العربي غير مواتي للإنقاذ والأثر الافريقي أيضاً عارض الإنقاذ، وكان واضحاً انحيازه للجنوب، وإن تحسن مع البعض ومع أوربا تحسن الوضع قليلاً، أما من الجانب الامريكي مازالت العصا مرفوعة.. وتظل ضغوطها على السودان وعلى الدول العربية.
– أنا قلت ذلك لأن العلاقات بدأت مع المانيا وما توقفت، وبدأت مع فرنسا وما توقفت، وكذلك مع بريطانيا في مؤشرات طيبة، وكذلك الاتحاد الاوربي.. وإذا كان ما قلته صحيحاً.. ولكن في قراءة مآلات دعوة الاوربيين لقيادة الجبهة نجد أن فيها فائدة لحكومة السودان لأنهم تحدثوا فيها للقيادات الثورية عن أهمية الحوار واجراء اتفاقيات ولم يتحدثوا عن سلاح أو عنف بل دعوهم الى الحل بالاتفاقيات والجلوس مع الحكومة وهي جولة إعلامية أكثر ماهي سياسية ضاغطة ..!!
إذن أخيراً كيف ترى حل المشكل السياسي في السودان هل في الاجابة على سؤال من يحكم السودان أو كيف سيحكم السودان؟– هذا هو سؤال المرحلة والسؤال المهم وأكشف لك سراً بأنني لدي بحث بذات الاسم (كيف يحكم السودان)، والآن بصدد نشره في الاسابيع المقبلة.. إذن الإجابة على هذا السؤال الكبير مهمة وضرورية لبلد مثل السودان ظل يعاني أزمة الحكم، واعتقد أن حيثيات الإجابة هي الآتي بأن السودان ترك إرثه الثقافي وهو إرث التحالف ومنذ الاستقلال دخل السودان في عملية اقصاء سياسي حاد بدلاً عن عملية تسوية سياسية، وبدا العمل الحزبي أو العمل العسكري في صراع على قاعدة، إما تكسب كل شيء وإما أن تخسر كل شيء وهي القاعدة التي تقول (يا فيها يا أطفيها) وعندما يدخل فيها يفقل الباب ويقول إما أنا وإما أنت ولو كان ذلك بالاغتيال السياسي أو الاجتماعي أو حتى الجسدي عبر الانقلابات، فأصبحت ثقافتنا ثقافة إقصاء وليس ثقافة تحالف كما كان ميراثنا وأصبحنا نتصارع مع بعض، وكل واحد فينا يريد أن يكون هو الحاكم، وهي الآن عامة وموجودة في كل مكان بالمجتمع السوداني، وللخروج من هذه المشكلة يقتضي منا الاعتراف أولاً بأن هذا خطأ، ثم بعد الاعتراف معالجة هذا الخطأ، ونجلس مع بعضنا الآخر، ونعفو عن بعضنا البعض، ونتفق على صيغة سياسة قائمة على تحالف جميع القوى السياسة لإنقاذ السودان مما فيه الآن، وهي معالجة عاجلة لوقف التدهور واخماد الحريق وفق صيغة تحالف نحكم بها بالطريق الآتي عبر معرفة وزن كل حزب عبر التمثيل النسبي القومي وليس الجغرافي القبلي، لتدخل هذه الأحزاب بأوزانها لتحكم، والشيوعي والإسلامي ما يختلفوا في أن يزرعوا قمحاً مثلاً أوالسياسة العامة، وحتى نقلل من الاختلاف السياسي اقترح قيام مجالس مهنية متخصصة لأهل المهن مثل الطب والهندسة والاجتماع والاقتصاد.. والسياسيين بعيدين عن الخبراء وتكون هناك حكومة تنفذ سياسة خبراء وليس سياسة لتقليل الخلافات والصراعات السياسية.. وهذه هي البداية الحقيقية للعودة لتاريخ العمل التحالفي وليس العمل الاقصائي الأحادي، والصراعات السياسية ليست لديها معنى في السياسات الواقعية التي يمكن للناس أن يحتاجوها للعمل ونحتاج فقط الى أن نعترف بان الجميع اخطأوا، وعمل رؤية سياسية تحالفية لسودان قوي.. وهذا الاتجاه موجود داخل كل قوى سياسية حزبية، لكنه غير متنفذ، والظروف تقتضيه بان يتقدم الآن.. ويقول كفاية كفاية خلونا نعمل سوياً.
هذا يحيلنا الى جماعة الإصلاح السياسي وهم حزب الإصلاح الآن بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين وشعاره (السودان يسع الجميع) كيف تقرأ لافتته؟– هذه هي الرؤية المطلوبة أن السودان يتسع للجميع وهذا ما تحدثت عنه، التحالف القديم للجميع والعمل سوياً ولكن يجب أن تكون شعارات مرفوعة بعمل واقعي ملموس، ونريد أن يكون فعل وأعتقد أنه شعار موجود لدى الكثيرين، ودكتور غازي أخرجوه من الحزب، وكان يمكن أن ينمي هذا الاتجاه وأيضاً هو اتجاه موجود في شباب الأحزاب الأخرى، وأعتقد أن الظروف الصعبة قد تجعل من الجميع أن يلتقوا في نقطة إصلاح ليكون بعثاً سياسياًَ بهذا المفهوم التحالفي نحو الإصلاح بالفكرة والعمل معاً…!!
صحيفة آخر لحظة
حوار: عيسى جديد
ت.إ[/JUSTIFY]