تحقيقات وتقارير
بين مايو والإنقاذ النائب الأول للرئيس..قصة (عشرة) خلف الرئيس
ومنذ ذلك الوقت أوجد كرسياً تعاقب عليه تسعة أشخاص، كان الفريق أول بكري حسن صالح الذي عين مؤخرًا يحتل الرقم عشرة فى ترتيب من جلسوا عليه.
مفارقات وملاحظات
من هو الوحيد الذى نجح فى تخطي (عتبة) النائب الأول؟
المتابع لمسيرة مقعد النائب الأول يلحظ مفارقات قريبة أبرزها، أن المنصب ظل مكرساً للجنرالات، ولم يكسر هذه القاعدة إلا بابكر عوض الله وعلي عثمان محمد طه، المنتمين لسلك القضاء والمدنيين المقربين من قادة الانقلاب.
* النقطة الأخرى التي تسجل في صالح بابكر عوض الله أنه الوحيد الذي جمع بين منصب رئيس الوزراء ونائب الرئيس، بالإضافة لرئاسة القضاء والنواب ووزارة الخارجية والعدل.
المدقق في مسيرة العسكريين الواصلين للمنصب يجد أن أربعة ممن تولوه كانوا مشاركين أصيليين في الانقلاب العسكري فى 25 مايو و30 يونيو وهم خالد حسن عباس، وأبوالقاسم محمد ابراهيم والزبير محمد صالح وبكري حسن صالح والرتب العسكرية محفوظة-.
وإن كان أبوالقاسم وبكري منتميان لسلاح المظلات، بينما كان خالد وعمر (منحدران) من سلاح المدرعات.
بعد حل مجلس قيادات الثورة فى مايو والإنقاذ وتولي خالد وأبوالقاسم والزبير للمنصب السياسي الرفيع، ظلوا يلبسون الزي العسكري رغم انقطاع علاقتهم بالجيش والسر فى ذلك أنه كان يتم بإذن من القائد العام للجيش.
وإن كان الباقر وعبدالماجد توليا منصب رئاسة الأركان قبل أن ياتيا اليه، فإن الزبير وجون قرنق رحلا عنه بذات السيناريو عبر انفجار طائرة فى جنوب السودان.
نهاية العلاقة بمنصب النائب الأول انتهت خمسة منها فى عهد نميري بصدام أو خلاف مع الرئيس فأنهى خدمتهم، بينما كان المشهد في الإنقاذ متغيراً بعض الشيء، فالزبير وقرنق انتهت علاقتهما بوفاتهما، بينما كان وضع الفريق الأول سلفاكير ميارديت مختلفاً بانفصال الجنوب، أما علي عثمان فقد قام بالتخلي عن المنصب مرتين أولاها بفعل نيفاشا والثانية التي قيل إنها من باب الإيثار.
بشكل عام لم يتسنَ لأحد ممن تولوا المنصب المضي قدماً بعد ذلك، ومن لم تنتهِ مسيرته فعلياً عاش على هامش الحياة السياسية، ويجد هنا وحيد يتعلق بـ(سلفا) الذى بات رئيساً فى دولة جنوب السودان الوليدة بعد انفصالها فى العام 2011م.
* هناك أربعة كانوا وزراء للدفاع وهم عبد الماجد وخالد والباقر وبكري، وليس بعيداً عنهم ثمة من تولوا الداخلية أيضا كالباقر وأبوالقاسم والزبير وبكري، فى ذات الوقت ثمة اثنين منهما توليا رئاسة جهاز الأمن وهما عمر محمد الطيب وبكري حسن صالح.
ما مهمة النائب الأول؟
نائب الرئيس هو ممثل للرئيس ويعد ثاني أعلى منصب في حكومات النظام الرئاسي، يقوم في كثير من الأحيان بواجبات رئيس الدولة وذلك في حالة سفر الرئيس خارج البلاد أو وفاته أو استقالته أو تنحيته من الرئاسة أو عجزه عن عمله السياسي. ووفقا للمادة 42 من الدستور فإن نائب الرئيس يتولى الرئاسة فى حالة خلو المنصب والتي تكون ووفقا للدستور بانتهاء أجل الولاية، الوفاة، العلة العقلية أو البدنية المقعدة وذلك بقرار من المجلس الوطني، العزل وفق أحكام الدستور، وقبول المجلس الوطني استقالته. ووفقا لما سبق فإن النائب يتولى الرئاسة إذا غاب الرئيس لحين عودته أو انتخاب الرئيس الجديد في مدى ستين يوماً من ذلك التاريخ.
ووفقاً لذات الدستور فإن الرئيس يعين نائبين بذات شروط أهلية رئيس الجمهورية، ويحدد لهما مهامهما، ويؤدي كل منهما أمام الرئيس القسم الذي يؤديه الرئيس نفسه.
كيف وصلوا إلى هناك؟!
سبعة وأربعون عاما انقضت منذ أن عين بابكر عوض الله كنائب للرئيس شهد خلالها المنصب حالة بيات شتوي بعد انتفاضة إبريل وتحول السودان لنظام برلماني، قبل أن يعود للنظام الرئاسي من جديد في حقبة الإنقاذ.
في بادئ الأمر لم يكن بابكر عوض الله يعمل تحت مسمى النائب الأول للرئيس في حكومة مايو الأولى بل كان يعمل تحت مسمى نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، قبل أن يأتي انقلاب هاشم العطا ويفجر الأوضاع بين رفاق الأمس وأعداء اليوم، فتغير نظام الحكم إلى رئاسي بعد إقرار دستور جديد يعطي نميري صلاحيات واسعة، وبحلول الثاني عشر من أكتوبر 1971م حتى حل مجلس قيادة الثورة وتمت تسمية بابكر عوض الله نائبًا أول للرئيس
لم يستمر الوفاق بين الرئيس ونائبه أكثر من عام قبل أن يستغنى نميري عن خدماته بالقصر في نوفمبر 1972.
ليتم تعيين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع حينها خالد حسن عباس، لم يمض كثير وقت فاستغنى نميري عن خدمات خالد فى يوليو 1973، ليحل محله اللواء محمد الباقر الذى زاوج مابين منصب نائب الرئيس ورئيس مجلس الأمن القومي.
لم تمض الأمور على ما يرام بين نميري والباقر الذي بدأ يتضخم ويعارض نميري فى الكثير من الأمور لينهي خدمته فى فبراير 1977، ليؤول المنصب للرائد أبوالقاسم محمد إبراهيم الذى كان في ذات الوقت يحتل منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي السوداني الحزب الحاكم فى تلك الفترة، وعلى نحو مفاجئ أنهى نميري قربه بقرار مقتضب لم تتجاوزعدد كلماته الست والعشرين في وقت متأخر من ليلة ممطرة بتاريخ 28 أغسطس 1978.
فى ذات الليلة الممطرة التي أعفى فيها أبوالقاسم، عين الفريق عبد الماجد حامد خليل لخلافة سابقه في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية والأمين العام للاتحاد الاشتراكي بناء على قرار مقتضب أصدره نميري في ساعة متأخرة من الليل ولم يتبين المواطنون والمراقبون فحوى القرار إلا عبر الصحف صباح اليوم التالي.
وأتبع نميري قراره بإسناد المنصب إلى قائد الجيش ووزير الدفاع الذي صار بعد هذا القرار يتولى أربعة مناصب تتميز بالأهمية وقوة التأثير ومتعة السلطان. في ظاهرة غير مسبوقة ولا ملحوقة، إذ صار نائباً أول لرئيس الجمهورية، وأميناً عاماً للتنظيم السياسي، ووزيراً للدفاع، وقائداً عاماً للقوات المسلحة، واتي ذلك تقديرا لكفاءته العسكرية لا سيما بعد التقدير الذي وجده بعد مشاركته في قوات الردع العربي التي تدخلت فى بيروت للفصل بين المتحاربين والذى وصف بالنزاهة والحرفية العالية.
بعد فترة لم يعد نميري يحتمل الكثير من القرارات التي أصدرها عبد الماجد سواء في الجيش أو في التنظيم السياسي أو في الجهاز التنفيذي وكان سرعان ما يلغي تلك القرارات حتى جاء يوم 18 يناير 1981. ليصدر نميري قرارا بإعفاء نائبه الأول من كل مناصبه بصورة مفاجئة، بعد اجتماع القيادة العامة الذي كان حضورًا فيه عدد من الضباط مع الرئيس نميري وبحضور نائبه.
بعد أيام من إعفاء الفريق عبد الماجد من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية أعلن نميري تعيين رئيس جهاز أمن الدولة اللواء عمر محمد الطيب خلفاً له.
عينه نائباً أول لرئيس الجمهورية نتيجة لجهوده في المصالحة الوطنية ويعتبر اللواء خاتم سلسلة نواب النميري الأوائل وعرف عمر الطيب بأنه ظل الصديق الحميم لسلفه الفريق عبد الماجد حامد خليل فهما من دفعة واحدة وتخرجا في الكلية الحربية السودانية العام 1955. وبينما كان عبد الماجد أول تلك الدفعة كان عمر الثاني في ترتيبها.. ونشأت بينهما صداقة قوية طوال حياتهما العسكرية تجلت ثمرتها في إطلاق عبد الماجد اسم عمر على ابنه وفعل عمر ذات الشيء إزاء ابنه، وهما عبد الماجد عمر محمد الطيب وعمر عبد الماجد حامد خليل طبيبان الآن في المستشفيات السودانية.
بعد حل مجلس ضباط الإنقاذ في العام 1993 عين اللواء الزبير محمد صالح الذي كان نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في منصب نائب الرئيس الأول، قبل أن يرحل بعد حادثة تحطم طائرته العسكرية فوق الناصر في فبراير 1998م.
وعندها يروى أن عراب الإسلاميين د. حسن الترابي قدم ثلاثة خيارات أمام البشير يختار من بينها نائب الرئيس وكانت الخيارات الترابي، علي الحاج، علي عثمان طه، فكان الاختيار من نصيب الأخير.
استمر طه فى منصبه وفي قياداته حتى تم توقيع نيفاشا ليتنازل لشريكه د. جون قرنق الذي لم يهنأ بالمنصب سوى 22 يوماً قبل أن يرحل في حادث طائرة قادمة من يوغندا، ليحل بعده نائبه بالحركة الشعبية الفريق سلفاكير ميادريت، الذي ظل معتصماً بجوبا وبعيداً عن القصر إلى أن وقع الانفصال في يناير 2011 ليصبح رئيساً للدولة الوليدة، ليعود طه مجدداً ويستقيل من منصبه في مطلع ديسمبر الجاري.
وبين الزبير الذي عمل على إرساء السلام في جنوب السودان إسوة لمن سبقه كالباقر وآخرين فى منصب النائب الأول للرئيس، كذلك كان الأمر مع علي عثمان الذي فتح الباب وبموجب اتفاق السلام لقرنق وسلفاكير ليدخلا القصر في موقعه، ورغم أن القادم الجديد للمنصب كان متحفظاً على العديد من النقاط التي وقعت في نيفاشا إلا أنه من قام بتلاوة أول اعتراف دولي بجنوب السودان انطلاقاً من موقعه السابق كوزير برئاسة الجمهورية.
وما أن يكمل النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول بكري حسن صالح مهمته الخارجية الأولى بمشاركته فى تشييع الزعيم الجنوب إفريقي نلسون مانديلا حتى ينتقل لجناح جديد بالطابق الأول مخصص للنائب الأول للرئيس يضم مدير مكتبه وطاقم سكرتاريته علاوة على مكتبة. بكري الذى كان بمحكم منصبه السابق وزير برئاسة الجمهورية يشغل مكتباً بالطابق الثالث
سيرتفع راتبه ليصل لحدود الـ(15) مليون جنيه و (450) ألف جنيه، وبعد خصم البدلات يصبح (11) مليوناً و (86) ألف جنيه (قديم)، وبطبيعة الحال ستزيد مهامه وتكاليفه.
مكتب النائب الأول.. (ماس كهربائي) غير الموقع!
يقبع الآن ما يشبه جناح النائب الأول للرئيس في الطابق الأول للمبنى الرئيسي للقصر الجمهوري بمبانيه العتيقة، وقد تنقل المنصب فى عدة مكاتب، كان أولها ما عرف بـ(بيت عبود) وهي المباني المجاورة لمسجد القصر والتي يحتلها الآن مكتب مساعد الرئيس إبراهيم غندور.
ويفسر البعض ذلك بأن نميري لم يكن ليسمح لأحد غيره والطاقم العامل معه بالوجود في مبنى القصر الرئيسي لذلك كان نواب الرئيس بمختلف درجاتهم (نائب أول ونائب ثاني) محيطين به، بل ويذهب البعض إلى أن نميري لم يكن ليسمح بتكوين مركز قوي ينازعه في السلطة.
استمر الحال على هذا الوضع فى عهد نميري، أما في عهد الإنقاذ فقد تسبب تماس كهربائي صغير في إعمال صيانة كبيرة للمكتب القديم مما قاد لانتقاله لداخل المبني الرئيسي بالقصر وهو ما استمر عليه الوضع حتى الآن.
تقرير: محمد عبد العزيز: صحيفة السوداني
[/JUSTIFY]