تحقيقات وتقارير

الاجتماع الجامع .. ترياق للتداوي أم نذر اعتلال جديد ؟

[JUSTIFY]في العام 1989، استبق الإنقاذيون خطوات القوى السياسية المتجهة إلى طاولات الجدل والنقاش حول قيام (المؤتمر الدستوري).. انتهى المشهد يومها بأن نال السيد الصادق المهدي لقب (رئيس الوزراء السابق)، وضاع المؤتمر الدستوري من تحت أقدام الشرعية الثورية. بعدها ظلّ المؤتمر الدستوري، بأسمائه المتعددة، هو الشغل الشاغل (للأحباب) وزعيمهم الإمام.. تعدّدت المسميات وظل الهدف واحداً. من (المؤتمر الدستوري مروراً بالفجر الصادق وصولاً للنظام الجديد) كانت هي المصطلحات التي تحملها جبة الأنصار في مشوار البحث عن نقطة اتفاق يتجاوز بها الجميع الأزمة.

جدار الأزمات يتطاول، ويضع الحزب مشرطه في كل مرة لإيجاد العلاج، والعلاج هو ذات المعلن منذ الإنقلاب؛ (تحقيق قومية الحكم وقومية السلام وقومية الدستور)، أو ثلاثية الخلاص التي يدعو لها الحزب من أجل إيجاد مخرج قومي للمشكلات السودانيّة.

في الأنباء أن حزب الأمة القومي سيدعو القوى السياسية والمدنية والفئوية لاجتماع جامع في ظرف أسبوع لمناقشة تفاصيل تحقيق ذلك الاتفاق على الآليات القومية المطلوبة، راجياً أن تلبي تلك القوى الدعوة للتفاكر وصولاً للمخرج القومي المنشود للسودان.. إذاً هي دعوة جديدة يرفع لافتتها الكيان العريق عبر بيان تناقلته الأسافير أمس الأوّل، وينحو في اتجاه العموميّة، في ما يتعلق بالجهات المطلوب منها وضع مشارط المعالجة للأزمة السودانية، وهو أمر قد يتجاوز خلفية المدعوين للداعي نفسه.

الحكومة حزمت أمرها في ما يتعلق بدورها في معالجة الأزمة، وعلى ظهر موجة (التغيير) الجديد والتعديلات التي شملت معظم أجهزة الدولة كانت إجابتها الحاضرة إزاء الأزمات، وهي ذات التغييرات التي اعتبرها البعض خطوة أولى في تحقيق الحكومة الانتقالية التي تحلم بها المعارضة وتريدها من أجل إعادة ترتيب الأدوار، وهي التغييرات التي مضى البعض أكثر من ذلك بمحاولته خلق دور للإمام الصادق فيها قبل أن يعود الرجل نفسه ليعلق على ما حدث بقوله: “حزب الامة لا يعتقد أن تلك الإجراءات سوف تغيّر من الحال لأنها تغيير للأسماء التي كانت نفسها تشغل مناصب دستورية. لا يوجد أي دليل على تغيير السياسات، ولذلك نحن نعتقد أنّها إجراءات لا تقدّم ولا تؤخّر”.. ونفى الرجل عن التعديلات شبهة الانقلاب.

إذاً، المدعوون للنقاش في مسارات معالجة الأزمة لن تكون الحكومة جزءاً منهم في الجانب الأول وبالتالي فإن الباب سيكون مفتوحا على مصراعيه للقوى المعارضة والساعية للتغيير، تأتيك اللافتة بمجموعتين؛ (مجموعة قوى الإجماع والحركات المسلحة)، ولكل منهما مواقفها ضد الإمام وحزبه وهو الأمر الذي يقودك مباشرة للسؤال حول مشروعيّة الدعوة التي يتبنّاها الحزب العتيق، وهي مشروعية تتعلق في بعدها الأوّل باستجابة الآخرين لحضورها، ومن ثم العمل من أجل إنجازها.

الراجح أنّه ثمّة ما يشبه القطيعة بين حزب الأمة القومي وتحالف الإجماع الوطني في الأيام الأخيرة إثر إصرار الاول على ضرورة إعادة هيكلة التحالف على عدة مستويات وهو الأمر المرفوض من قبل بقية كتلة الكيان المعارضي، كما أن الصراع الأخير بين الأمة والشعبي وتبادل الاتهامات يجعل من عملية التقارب الآني بعيدة لحد كبير.. ثمّة من يقول إن للامر تقاطعات بالإرث التاريخي والموقف العام من الحزب الكبير من قبل القوى المعارضة التي ترى أنّه الأقرب للنظام من المعارضة، وهو أمر ينفيه الحزب وبشدة على المستويات كافة برفضه المشاركة في الحكومة المشكلة حديثاً، واستمراره في ذات نهج رفضه الدائم للتواجد في صفوف الوزراء. ولكن الإمام في آخر تصريحاته رفض أن يعاقب الناس على أساس الإرث التاريخي، وهو الحديث الذي ألمح من خلاله لإمكانية تلاقيهم مع التيار الإصلاحي في الحزب الحاكم، بل اعتبر وجود التيار نفسه دعماً لمشروع البديل الديمقراطي الذي يستهدفه حزبه.

إن كان هناك من يبحث عن مستقبل ما يمكن أن تؤول اليه دعوة الإمام وحزبه للقوى السياسية، فبإمكانه تقليب ألبوم احتفال الإمام بحصوله على جائزة قوسي للسلام، فقد خلت الفعالية الاحتفالية من القوى المعارضة، التي لم تشكل حضوراً في المناسبة، بالرغم من طابعها الاجتماعي، وهو الأمر الذي يمكنك القياس عليه في قراءة مآلات الدعوة في عمومياتها ومشهد الاستقرار الوطني كهدف أخير يسعى له الجميع.

بجانب ردة الفعل على المواقف فثمة أمر آخر يظل في قائمة التساؤل؛ وهو المتعلق بطبيعة القضايا التي ستتم مناقشاتها، خصوصاً في ظل تباين الرؤى بين المكونات الفاعلة سياسياً، وخصوصاً قضية العلاقة مع الحركات المسلحة، التي يتبنى صاحب الدعوة موقفاً منها ويتبنّى الآخرون موقفاً مغايراً تماماً إزائها، ولكن سؤالاً آخراً يظل هو الأساس وهو السؤال المتعلق بما توصلت له اللقاءات السابقة في محاولات الوصول إلى الاستقرار السياسي..

أخيراً فإن البعض قد يمضي في اتجاه آخر يتجاوز فيه طبيعة العلاقات بين القوي السياسية إلى طبيعة العلاقة داخل ردهات الحزب نفسه ومدى الاتفاق بين مكوناته على الدعوة نفسها !

صحيفة اليوم التالي
الزين عثمان
ع.ش[/JUSTIFY]