عبد اللطيف البوني

فليرقدو قفا


[JUSTIFY]
فليرقدو قفا

لم ينتبه المعلم أن المديرية الجديدة التي نقل إليها بها غابات كثيفة يعرف حتى صغارها علاقات القوة في الغابة جيدا, كان المعلم يدرس الصف الأول ابتدائي الحروف وفي تدريسه حرف اللام طلب من تلاميذه أن يرددوا خلفه (لمس الولد الأسد) فلم يتجاوب معه أحد؛ فسألهم عن سر إحجامهم، فقال له أحد الأطفال بعفوية “ما يقدر ياستاذ” أي الولد لن يستطيع أن يلمس الأسد، وقال له أخر كداب، وفي النهاية لم يكن أمام المعلم إلا أن يضع الكتاب المنهجي جانبا ويبحث عن كلمة تبدأ بحرف اللام من ذات البئية.
تذكرت هذة القصة وأنا أطالع تصريحات الأستاذ محمد بشارة دوسة وزير العدل التي أعلن فيها حرب وزارته على الجوكية وقوله إنه سوف ينقل مكتبه إلى ادارة مكافحة الثراء الحرام وأنه سوف يستدعي مدراء البنوك ويطلب منهم أسماء الجوكية الذين (هبرو وملو) من أموال البنوك التي هي أموال الشعب ولم يرجعوها ودخلوا في زمرة المتعثرين والمعسرين، وقال إنه سوف يعلنهم على روؤس الإعلام وليس هذا فحسب بل طلب الوزير من الشعب السوداني أن يمده بأي معلومة عن أي شخص يقع في زمرة الذين هبرو وملو (لا يا شيخ).
بعض الحادبين على القانون من أهل القانون أخذوا كلام الوزير على محمل الجد وطلبوا منه أن يتصرف وفقا قانون الإجراءات مدنية كانت أم جنائية ولا يتسرع في عملية النشر غير القانونية وقال البعض إنه يخشى من أن يعود بهم دوسة إلى أيام العدالة الناجزة في زمن نميري، وطالبه آخرون بضبط لغته فكلمة جوكية هذه كلمة سوقية وليست قانونية، في تقديري أنه كان على هؤلاء القانونيين المحترمين أن يوفورا جهدهم فالحكاية كلها كلام في الهوا.
لا أجد في نفسي حتى التشاؤل (وهذه من كلمة متشائل للأديب الفلسطيني أمل حبيبي وهي تعني أنه بين المتفائل والمتشائم) فالعبد لله متشائم عديل كدا من أن السيد الوزير لن يعلن ولا اسما واحدا (أتمنى من كل قلبي أن يخيب ظني) ولكنه لن يخيب فليس لدي شك في قدرات السيد الوزير فهو رجل قانون محترم ومتسلح بالقانون الذي يجعله يشهر سيف حماية المال العام في أي وجه، وليس لأنه لا يوجد من هبرو وملو من بنوك السحت والجن هذه فهم أكثر من الهم في القلب، وليس لأنهم غير معروفين فالمجتمعات السودانية ليس فيها أسرار فأثرياء بنوك الجن معروفون للناس العاديين بل لأن المانع سياسي فالحكومة الحاكمة لن تسمح لوزيرها أن ينفذ وعده ولا أظن أن معرفة السبب تحتاج إلى عبقرية.
ليست البنوك وحدها التي تشكل بؤر الفساد وتبديد المال العام والثراء الحرام ولكن البنوك كانت وما زالت تقوم بدور معبد الطريق للذين هبرو وملو وهي صالحة جدا أن تكون منها ضربة البداية لأي محاولة جادة لمحاربة الثراء الحرام أو حتى تطبيق قانون من أين لك هذا؟ ولكن هذه الشغلانة تحتاج إلى إرادة سياسية وليس هوشة وزير، والإرادة السياسية ليست متوفرة فالجماعة أكلوا (أم زيت) أما أم زيت هذه فاسألوا عن قصتها أهلنا بالتكينة, السيد الوزير يعلم أن ليست هناك مشكلة في القانون بل الشغلانة سياسية وأخشى أن أقول ليس أمام الوزير إلا أن يفعل كما فعل ذلك المعلم الذي استغنى عن الكتاب المنهجي وبحث له عن صرفة أخرى.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]