غفر الله لنا خطيئتنا
كان المعهد الذي نتلقى فيه دراسة فنون العمل التلفزيوني، قد رتب لنا تناول الوجبات في مطعم قريب، يتبع لوزارة الدفاع البريطانية، وكان الطعام الذي يقدمه ذلك المطعم، بلا طعم أو رائحة: بطاطس مهروسة، ولحوم مفلطحة عرفنا أنهم يسمونها بفتيك تارة وستيك تارة أخرى، وما كان واردا أن “نهبش”، أي لحم أحمر تفاديا للحم الخنزير، وكان هناك سجق (الذي يسميه بعض العرب نقانق مع أنه أقل الأطعمة نقنقة لأنه عبارة عن لحم “مكبوت” داخل مصران بهيمة)، وقال لنا أحد أعضاء شلتنا السودانية في المعهد إنه حصل على معلومات مؤكدة بأن السجق الذي يقدمه المطعم يعد من اللحم البقري، وهكذا بدأنا في تعاطي السجق بانتظام، إلى أن كان يوم كان فيه من يغرف لنا الطعام براذر أي أخ أي أسود، ولما طلبت السجق سألني عن ديانتي، ولما قلت له إنني مسلم، سألني ما إذا كنت مسلما عاصيا، ولما رأى علامات الاستنكار في وجهي قال: كل السجق هنا من لحم الخنزير، ومبلغ علمي انه محرم على المسلمين.. على طول “بطني قلبت” فهرولت إلى الحمام وأفرغت قوت أسبوع كامل… أحشر إصبعي في حلقي و: أووووع.. حتى أحسست بألم في الأنف والأذن والحنجرة… وتوجهت نحو صاحبي الذي أتى بمعلومة أن السجق الذي ظللنا نتعاطاه “بقري”، وصحت فيه: تؤكلنا الحرام طوال هذه الفترة؟ تحرم عيشتك.. وأبلغتهم بما قاله عامل المطعم، فتقيأ احدهم وهو جالس في قلب المطعم وخرج الباقون مهرولين، بعد ان نصحت كل واحد منهم بغسل المعدة ست مرات بالديتول والسابعة بالتراب، وبعدها توبة من ذلك المطعم، وكان المعهد الذي ندرس فيه قريبا من المبنى الرئيسي لجامعة لندن، ورتبوا لنا تناول الغداء في المطعم المخصص لطلابها بعد ان قاطعنا مطعم وزارة الدفاع ذي السجق المخنزر، ولحسن حظنا كانت هناك بيانات واضحة في المطعم هذا للأصناف التي لا تصلح للمسلمين بحكم ان عددا من المسلمين كانوا من طلاب الجامعة.
كان من أقرب المدرسين في المعهد إلى قلوبنا مايكل باريت وجون كلهار، وكان كلاهما قد عمل طويلا في عدة دول إفريقية، وكان كلهار بالذات “صائعا” أي من النوع الـ “ضاربها صرمة”، ولا يحب بروتوكولات أهله الإنجليز، وذات يوم كنا مطالبين بالحضور مبكرا للمعهد لأداء مهمة ما وفي نحو العاشرة صباحا دعاني إلى وجبة إفطار سريعة في مطعم في زقاق خلف المعهد، ونصحني بتناول البيض المقلي بال “بيكون”، ووضعوا الصحن أمامي ورأيت رقائق من اللحم المجفف تتخلل البيض، فقلت في سري: كسبت كلمة إنجليزية جديدة فالبسطرمة اسمها بيكون bacon، (علمت لاحقا أن البسطرمة اسمها pastrami)، ولأن قلب المؤمن دليله فقد ترددت قليلا وسألت كلهار: مم يصنع البيكون؟ فكان رده إنه شرائح رقيقة من لحم الخنزير فقلت له: إلهي يكتفوك بجنزير ويرموك في بير مليان زنابير وفضلات خنازير.. فصاح محتجا: تيك إت إيزي.. إت أز نايس!! قلت له: أنت لو أكلت فطايس ستقول عنها “نايس”، وكنت على حق فقد كان كلهار في تلك الأيام معجبا بالبوذية، وكان دائم الحديث عن كتاب اسمه Zen and the Art of Motor Cycle Maintenance عن كيف أن فرقة بوذية تعرف كيف تتوصل إلى “الحقيقة” عن طريق التأمل، ومنذ يومها عقدت معاهدة تعاون شامل مع الكورن فليكس ودجاج كنتاكي، إلى أن قررت في تاريخ لاحق الرحيل عن بيت الشباب الكاثوليكي إلى مسكن يمكنني فيه طهي حبايب القلب:
الفول والعدس.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]