الطاهر ساتي

( تلفونو ما خشى معاي ) .. نهج رقابي ..!!

( تلفونو ما خشى معاي ) .. نهج رقابي ..!!
** الكهرباء، كما المياه والتعليم والصحة، خدمة وليست سلعة..أي بالبلدي الفصيح ( هي حق)، والحكومة ملزمة بتوفير هذا الحق وغيره بأقل تكلفة..هذا في البلاد التي سلطاتها تعرف الخدمات و تقدس الحقوق، وليس في بلادنا التي تحولت فيها كل الخدمات والحقوق إلى سلع تباع وتشترى بأعلى الأسعار.. ولذلك ليس في الأمر عجب بأن العقد بين المواطن وسلطات الكهرباء في بلادنا ( عقد إذعان)، بحيث يلزم المواطن بشراء العداد والعمود والأسلاك، ثم يتنازل عنها – مكرهاً – لسلطات الكهرباء، هيئة كانت أو شركة ..وليس في الأمر عجب بأن يقصد المواطن نافذة شراء خدمة الكهرباء ويتفاجأ بزيادة التعريفة، ويجد نفسه بين مطرقة الشراء بسعر الإذعان وسندان التخلي عن هذا المسمى بالحق في بلاد الآخرين ..لكل شيء قيمة عالية في هذا السودان، عدا الملقب بالسوداني، بحيث لم يعد له قيمة حتى ولو مقدار (ربع صفحة) بحيث يكون هناك إخطار له بزيادة تعريفة خدمة الكهرباء..نعم، قيمة المواطن – عند سلطات الكهرباء، وهي جزء من سلطات البلد – أدنى وأوهن وأقل من أن يتم إخطاره بتلك الزيادة قبل يوم أو ساعة..ولو لم يكن تقديرهم للمواطن كذلك، لما تفاجأ هذا المسمى عندهم – مجازاً – بالمواطن بالزيادة عند الشراء ..!!
** وعليه، فالقضية ليست هي فقط (الكهربا زادوها)، أو كما يختزلها البعض وكأن الكهرباء فقط (هي اللى زادوها)..بل النهج الذي سلكته السلطات في مسار زيادة تعريفة الكهرباء هو (أس البلاء)، أي النهج الذي يضع المواطن دائماً على هامش القرار بحيث يكون (آخر من يعلم)، وحين يعلم ما عليه إلا أن يطيع القرار مرغماً ومكرهاً كأي لاجئ تلزمه المواثيق الدولية بالانصياع لقوانين وقرارات دولة الملاذ، أو هكذا حال المواطن في وطنه كما تجلى في نهج سلطة الكهرباء..ماذا تستفيد تلك السلطة – وغيرها – حين تحول أهل البلد إلى ضيوف؟، وحين تحول المواطن إلى لاجئ؟، وحين تتعمد طعن كرامة الإنسان بحيث ينتابه الإحساس بأنه (منسي) وليس بإنسان؟..أسئلة لو خطرت على قلب فرعون سابقاً لما (تفرعن على مواطنه)، ولو خطرت على قلب سلطة الكهرباء لما (تجاهلت مواطنها)، وليس هناك ما يبدد حزن الضعفاء ويمسح دموع الحيارى غير أن فرعون ذاك لم يكن إلا محض عبرة لمن يعتبر ومحض مصير لمن لايتعظ، ويوم تمضي عجلة الحياة – سلطة كانت أو روحاً- إلى حيث الفناء، يومها ستعض أسنانهم أصابعهم بلسان حال قائل : ( ليتني أخطرتهم، وليتني ما احتقرتهم).. !!
** ثم تأملوا عجز هذا الملقب سياسياً – بالمسؤول والمسمى إعلامياً – بالبرلمان، إذ يقول بلاحياء : ( حاولت الاتصال بوزير الكهرباء لاستفساره حول زيادة التعريفة، ولكن لم أتمكن من الوصول إليه..وشرعنا في تقصي آثار الزيادة)، هكذا حال لجنة الطاقة بالبرلمان، كما جاء على لسان رئيسها..تفاجأ البرلمان – كما المواطن – بالزيادة، واتصل بالوزير ليسأله عن أسباب الزيادة وآثارها، ولم يفلح في الوصول إليه، ولذلك شرع في التقصي..إلى وقت قريب، ارتبط مصطلح التقصي في أذهان الناس بالجرائم والمخالفات، بحيث يفعل البعض أفعالهم في الخفاء وتتقصى السلطات لكشف سوءات تلك الأفعال وأسماء البعض الفاعل..ولكن يبدو أن مصطلح التقصي فارق ذاك العالم إلى عالم دولة تخفي أجهزتها التنفيذية قراراتها عن أجهزتها التشريعية والرقابية، وليس على المواطن غير انتظار نتائج هذا التقصي المرتقب..عفواً، ظهرت النتائج على لسان رئيس اللجنة البرلمانية ذاته، إذ يقول بالنص : ( البرلمان لايقبل الزيادة ولايرفضها، بل يود معرفة المنطق الذي تمت بموجبه الزيادة).. في حد فاهم حاجة؟..رئيس اللجنة لايرفض الزيادة ولايقبلها، بل يبحث عن (المنطق)..وجدتها يا سيدي، فالمنطق هو أن يغادر برلمانكم سوح العمل العام، بدلاً عن إهدار المال العام في بنود اللا مسؤولية التي من شاكلة : ( اتصلت عليه لكن تلفونو ما خشى معاي ) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]