جعفر عباس

أول قبلة في لندن

[JUSTIFY]
أول قبلة في لندن

كان لي جار عجوز في منطقة تافنيل بارك التي انتقلت إلى العيش في غرفة مع عائلة تقيم فيها، يهش في وجهي كلما مررت به ويبادلني التحية، وهذه عادة غير إنجليزية، فالإنجليزي لا يرفع معك التكليف ما لم يلتق بك في عدة مناسبات، وحتى بعد ان يتعرف عليك فإن التحية تقتصر على هاي وباي.. ذات مرة كنت أسير مع جين دوران وكانت مساعدة تدريس في المعهد الذي كنت ملتحقا به، وفي محطة للقطارات التقت بشابة وتبادلتا التحية بمودة: وحالك وأحوالك وماذا فعلت بك الدنيا وتبادلتا الذكريات، وفهمت أنهما كانتا تقيمان في نفس الغرفة خلال المرحلة الجامعية، ثم انتهى الحوار بينهما بأن قالت جين: سي يو وِن آي سي يو uoy ees I nehw uoy ees !! أشوفك لما أشوفك! أشوفك بحسب الظروف! أشوفك لو صادفتك مرة أخرى!! سألت جين ما إذا كانت علاقتها بتلك الفتاة قوية، فقالت إنها كانت من أعز أصدقائها وأنها سعدت بلقائها، فسألتها مجددا: وكيف تفسيرين حكاية سي يو ون آي سي يو؟ لماذا لم تتفقا على اللقاء مجددا ولماذا لم تسأليها أو تسألك هي عن عنوانك ورقم هاتفك؟.. قالت بكل لطاخة: ولماذا كل هذه التعقيدات؟ هذه مرحلة وعلاقة «عدَّت» وانتهت… عشان كده تربون الكلاب والقطط والسناجب والفئران لعدم قدرتكم على المحافظة على علاقات إنسانية طويلة الأجلالمهم أن الرجل العجوز ذلك استوقفني ذات مرة وأنا أمر أمام حديقة بيته، في طريقي إلى المعهد، وسألني ما إذا كنت من السودان، فلما أتاه الرد بالإيجاب، تهلل وجهه وصافحني، و«صلبني» في الشارع وصار يحكي لي ذكرياته عن العمل في قوة دفاع السودان ثم انتقاله إلى الاسماعيلية في مصر، فاستأذنت منه لأنني كنت أريد اللحاق بالقطار، فسألني ما إذا كان ممكنا أن أتناول معه كوب شاي بعد عودتي في أول المساء، فقبلت الدعوة بسرور صادق، وفي المساء توجهت من محطة القطار إلى منزله مباشرة، وقرعت الجرس، فسمعت دويا جعل قلبي يهبط إلى مثانتي، كان زئيرا، ولم أتردد في الابتعاد عن البيت بخطى سريعة، معتقدا أنني طرقت باب البيت الخطأ، ولكنني سمعت جاري العجوز يناديني مرحبا.. وكان على يمينه دب قطبي في هيئة كلب، ينظر إلى كتلك النظرة التي يوجهها ضابط مخابرات لمعتقل سياسي، لإفهامه بأنه في ورطة، وحاولت فبركة عذر يتيح لي عدم دخول بيت الرجل ولكنني بدأت أتهته وأتمتم بمفردات غير مفهومة: آي آآآي آي… مي ماما فاذر مذر سيستر سي دكتور، وأدرك الرجل أنني خائف من الكلب فطمأنني بأنه «نايس»، كدت أصيح فيه: كيف تكون لكائن ضخم بشع كهذا أي صلة بالـ«نياسة»؟ ولكنه تقدم نحوي مصافحا بعد أن زجر الكلب وقادني إلى داخل البيت وأنا «أعيط» داخليا.. وجلست على كرسي فاقترب الكلب مني فرفعت رجلي على الكرسي فطلب مني صاحبنا ان اربت على رأس الكلب، وبعدها سأكتشف أنه «ودود»، ولم أجد الشجاعة لمد يدي في اتجاه الكلب، فإذا به يتقدم ويجلس بين قدمي، وهو ينظر إلى نظرة جعلتني من مستحقي البامبرز، فاستجمعت شجاعتي ولمست رأسه، فلحس يدي، وفجأة وقف على قدميه الخلفيتين ولحس خدي، والعجوز مبسوط.: لوك هي إز كسنق يو.. هي لافز يو!! انتبه إنه يبوسك.. إنه يحبك.. أصدقائي في السودان ينتظرون مني حكايات عن غزواتي النسائية وبعد شهور في لندن كانت البوسة الوحيدة التي حصلت عليها من كلب.. يعني حتى مش «كلبة»!!

غادرت بيته وهرعت إلى الحمام وغسلت البوسات عشر مرات بالديتول حتى تقشر جلد وجهي

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]