تحقيقات وتقارير

الخرطوم إنجمينا .. (48) شهراً من الصفاء


[JUSTIFY]”نعم كانت بيننا خلافات ولكننا لم نلجأ لطرف ثالث لحلها، وإنما حسمناها باتصالاتنا المباشرة.. لا توجد قبيلة في تشاد ما عندها طرف في السودان فلا غرابة أن يكون الرئيس ديبي مهتماً بالسلام في السودان..”.

هكذا تحدث الرئيس عمر البشير خلال اللقاء الذي جمعه بقاعة الصداقة أمس إلى التشادي إدريس ديبي في حضور فعاليات وجمهور من أبناء وقيادات إقليم دارفور بالمركز، ونوه البشير إلى أن تشاد ممثلة في رئيسها ديبي كان لها دور أساسي في كل الاتفاقيات والمراحل التي تمت بشأن السلام، ودعا رئيس الجمهورية إلى الشروع في خطوة تحقق السلام ليس في دارفور فقط، وإنما في جميع أنحاء الإقليم الأفريقي.

وكذلك مضي ديبي خلال مخاطبته اللقاء إلى دعوة الحركات المسلحة التي ترغب في الالتحاق بركب السلام للاستجابة إلى دعوة الحوار، واعتبر أهالي دارفور سبباً للتفلتات الأمنية، وأكد أن المواطنين الدارفوريين هم الذين تسببوا في الخراب الذي حل بالمنطقة، وشدد على أن مسؤولية إصلاح ما تم تخريبه هي مسؤولية أهالي دارفور، وأشار إلى أن الأمن والاستقرار في ولايات دارفور يساوي أمن واستقرار تشاد.

لكن مما لا ريب فيه أن ثمة قضايا أخرى ذات صلة بالأمن والسلام العام في كامل الإقليم الأفريقي المحيط بتشاد والسودان كانت أكثر إلحاحاً على أجندة الاجتماع بين الرئيسين مهما يكن اهتمام الرئيس التشادي بقضية الأمن والسلام في دارفور كبيراً.
وهذا ما رشح عن اجتماع الرئيسين مساء أمس الأول، حيث بحث الجانبان إلى جانب العلاقات المشتركة، قضايا السالم والأمن في المنطقة.

وقد جاء اجتماع الرئيسين في الخرطوم، بعد تداعيات خطيرة على صعيد المنطقة الأفريقية شديدة التأزم، فقد باتت الأوضاع الآن أكثر تعقيداً وقد اتسعت رقعة التوتر الأمني لتشمل دولة أفريقيا الوسطي وما يلقي ذلك من تأثيرات مباشرة على دولة تشاد وإقليم دارفور السوداني، وإذ سارعت فرنسا للتدخل العسكري في أفريقيا الوسطي فقد هدفت من التدخل إلى تجنب سيناريو نشوء منطقة ينعدم فيها القانون مفتوحة على كل أنواع العنف وتشكل قاعدة خلفية للجماعات الإسلامية، ومحاصرة الحريق ومنع حدوث فراغ أمني يزعزع الاستقرار في كامل المنطقة، لاسيما مع أهمية الموقع الجغرافي لأفريقيا الوسطي بين الكاميرون وتشاد والسودان وجمهورية الكنغو الديمقراطية إذاً فقد حملت توترات أفريقيا الوسطي تحدياً أمنياً كبيراً لتشاد من ناحية حدودها الجنوبية الممتدة بين البلدين فيما يشبه الحصار على الدولة التي لا تزال تعاني تداعيات أزمة دارفور جهة الحدود الشرقية التي تربطها بالسودان.

وإذ كانت أفريقيا الوسطي ترتبط مع كل من السودان وتشاد ببروتوكول أمني لتأمين الحدود المشتركة، حيث تم بالخرطوم في مايو 2011م تنشيط البروتوكول العسكري بين السودان وتشاد وإشراك جمهورية أفريقيا الوسطي ضمن منظومة القوات المشتركة السودانية التشادية، فقد بات الاقتتال داخل تلك الدولة مهدداً لكلتا الجارتين تشاد والسودان لا سما لدي بروز أصوات داعية لتقسيم أفريقيا الوسطي إلى دولتين كما كان قد هدد بذلك ضباط في جبهة سيليكا ووجهاء من المسلمين بتقسيم البلاد بين المسلمين والمسيحيين، منتقدين في الوقت نفسه انحياز القوات الفرنسية إلى جانب المسيحيين.
إذاً .. فإن هذه التطورات كانت حاضرة ضمن أجندة اجتماع الرئيسين، إلى جانب مناقشة القضايا المشتركة بين البلدين وملف أزمة دارفور على نحو ما قالت مصادر قريبة.

لكن لم ترشح معلومات حول نتائج المباحثات في هذا الشأن.
ومنذ العام 2009م شهدت العلاقة بين السودان وتشاد استقراراً هو الأطول من نوعه منذ اندلاع أزمة دارفور العام 2003م، فقد تردت تلك العلاقة إلى أسفل درجاتها دون أن تنقطع جهود تقويمها والخروج بها إلى آفاق للمصالحة عبر اتفاقات عديدة باءت كلها بالفشل في إصحاح العلاقة حتى تمكن الطرفان من توقيع اتفاق بالعاصمة القطرية (الدوحة) برعاية قطرية ليبيئة، اتبع ذلك الاتفاق باتفاق آخر، أمني العام 2010م لغرض تأمين الحدود بين الجانبين، وإذ نص اتفاق الدوحة على وقف أي لحركات التمرد على كلا النظامين، فقد اتفقت الخرطوم وإنجمينا على تشكيل قوات مشتركة من البلدين يتم تبادل قيادتها كل ستة أشهر، كما أضيفت لاحقاً لتلك الاتفاقية العسكرية دولة أفريقيا الوسطي شريكاً ضمن منظومة القوات المشتركة السودانية التشادية التي اتخذت من مدينة الجنينة مقراً لقيادتها.

لم تكن أزمة دارفور هي بداية المنازعات بين السودان وتشاد، إذ يحفظ التاريخ سجلاً حافلاً بالتوترات بينهما لا تنقطع جيوش المتمردين على سلطة إنجمينا أن تخرج من دارفور للاستيلاء على السلطة على نحو ما فعل الرئيس الحالي إدريس ديبي العام 1990م حين سار إدريس ديبي بقواته انطلاً من دارفور إلى تشاد ودخل في صدامات مع جيش الرئيس حسين هبري أدي إلى انهيار نظامه خلال أسبوع وتسلم ديبي السلطة، لكن اشتعال الحرب في دارفور أدي إلى توتر تلك العلاقة التي شهدت نوعاً من الاستقرار، إذ سرعان ما تعالت الاتهامات بين البلدين كل طرف يرمي الآخر بدعم وإيواء الحركات المناوئة له.

في خضم تلك التوترات ذهب السودان وتشاد إلى منابر عديدة للحوار من أجل التوصل إلى تسوية وطي تلك الصفحة من الخصومة، الأمر الذي تمخض عنه عدة اتفاقيات كان أشرها اتفق (مكة) في مايو من العام 2007م، لكن سرعان ما تم خرق ذلك الاتفاق حين اتهمت الخرطوم إنجمينا بقصف متمردين على سلطتها داخل الأراضي السودانية، وتقدم السودان عندئذ بشكوى رسمية ضد تشاد أمام الأمم المتحدة يتهمها فيها بإنتهاك سيادة أراضيه، لكن جهوداً إقليمية متوالية نشط في قيادتها الرئيس السنغالي (عبد الله واد) قادت إلى اتفاق مصالحة آخر في داكار منتصف مارس 2008م، ووقع الرئيسان البشير وديبي في ذلك التاريخ اتفاقاً علي هامش قمة منظمة المؤتمر الإسلامي وبحضور أمينها العام إكمال الدين إحسان أوغلو والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وألزم الاتفاق الطرفين على ضبط حدود البلدين وعدم دعم حركات التمرد في كليهما، لكن اتفاق داكار ظل جسداً بلا روح فلم يتنزل شيء من بنوده على أرض الواقع وظل محاطاً بظلال من الريب وعدم الثقة المتبادل بين الجانبين إلى حين دقت جحافل قوات العدل والمساواة أسوار مدينة ام درمان على بعد خطوات من القصر الرئاسي، وسرعان ما اتهمت الخرطوم إنجمينا، إلى جانب عواصم أخرى بدعم وإسناد ذلك الهجوم ذات الأمر الذي مضت إنجمينا تعلنه حين أغارت كتائب المعارضة التشادية على العاصمة انجمينا وكانت التهمة كذلك من نصيب الخرطوم.

صحيفة الرأي العام
عبد الحميد أحمد
[/JUSTIFY]