الطاهر ساتي

(يازول حرّم ما نرجّعك ساكت)

(يازول حرّم ما نرجّعك ساكت)
** شهيرة حكاية الأخ الكريم الذي اتصل بأرقام المطافئ عن طريق الخطأ، وعندما جاءت عربة المطافئ ورجالها أطلق عود ثقاب في راكوبته وأكرمهم قائلا : (حرم ما ترجعوا ساكت، يلا اطفوا نار الراكوبة دي)..ولكن الأشهر هي حكاية الأخ الأكرم التي وثقها زميلنا علي الصادق البصير بالانتباهة قبل أسبوع ونيف، حيث تقول الحكاية إن أحدهم – وهو معروف للصحفيين وبعض الساسة – سمع اسمه في تشكيل وزاري أذاعته الإذاعة في بدايات الإنقاذ، فجاء مهرولاً الى القصر الرئاسي لأداء القسم، وملتحفاً (الشال والعباية)، ومتأبطاً (عصاية الأبنوس وشنطة تمكنا)، ومطلقاً (دقن يرك فوقها الصقر)..ولكن، في بهو القصر، أفادوه بأن المعني بذاك الاسم المذاع ليس سيادته شخصياً، بل شخص آخر ويحمل ذات الاسم الثلاثي..غضب شيخنا هذا وأرغى وأزبد وأفاد بأن أهله ذبحوا الثيران وأكرموا القرى المجاورة لقريته فرحاً بمناسبة تعيينه هذا، وليس من العدل أن يعود إليهم مواطناً (ساكت)، فتدخل أحد النافذين وطيب خاطره قائلاً (يازول طالما انت جيتنا لحد هنا حرم ما نرجعك ساكت، ح نعينك معتمد برئاسة الولاية)، وقد كان ..ولايزال، شيخنا هذا، الى يومنا هذا، مسؤولاً يتنقل من منصب الى آخر برشاقة النحل ..!!
** حكاية الأخ الكريم محض طرفة، بيد أن حكاية الأخ الأكرم واقعة، ومن مغزى هذه وتلك نسأل بمنتهى البراءة : من وكيف يصنع القرار في أجهزة الدولة؟، وبالمناسبة : هل بالدولة أجهزة صناعة القرار على سبيل المثال، عقدت وزارة التجارة الخارجية، قبل أسبوع تقريباً، مؤتمراً صحفياً قالت فيه بالنص : (اعتباراً من اليوم، رفعنا الحظر عن استيراد السيارات ذات الموديلات القديمة والمستعملة)، ففرح التجار والناس.. ولكن، في اليوم ذاته، وقبل أن تكمل أقسام الأخبار بالصحف صياغة الخبر، أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً فحواه : (لا، فليبق قرار حظر استيراد السيارات ذات الموديلات القديمة والمستعملة سارياً)، فصدرت الصحف بالقرارين، الوزاري والرئاسي،..فالقرار الرئاسي في شأن الحظر يدعم البرنامج الاقتصادي لوزارة المالية، إذ هذه الوزارة هي الرافضة لاستيراد تلك السيارات وغيرها، بحجة (استنزاف الدولار)، وبالتأكيد هناك أجهزة بالدولة، ومنها مجلس الوزراء، هي التي تجيز أي برنامج اقتصادي..وعليه، نسأل : وزير التجارة ده ممنوع من حضور جلسات مجلس الوزراء مثلاً؟..إن لم يكن الأمر كذلك، فما معنى أن (يبلع قراره)، قبل أن يجف حبره ؟..أفيدونا، أفادكم الله، حتى لايذهب بنا الظن بأن الدولة لاتزال تدار بنهج (يازول حرم ما نرجعك ساكت) ..!!
** ومثال آخر، في هذا الأسبوع أيضاً، أصدرت وزارة الكهرباء والسدود والري – و مش عارف إيه – قراراً بزيادة تعريفة الكهرباء بنسبة تتجاوز حد اللامعقول – واللارحيم – على القطاع السكني ، فغضبت كل أركان الدولة وأجهزتها وانتقدت هذا القرار..غضب المسمى بالبرلمان ثم رفض وتولى أمر التحقيق والتقصي.. وكذلك المسماة بالهيئة القيادية، غضبت ورفضت ثم تولت أمر رفع تقرير الرفض لمن يهمهم الأمر..ثم أعضاء مجلس الوزراء، عدا وزير الكهرباء والسدود والري ، كلهم، وزيراً تلو وزير، أبدوا مواقفهم إما بالرفض المعلن في الصحف أو بالرفض تحت تحت في مجالس المدينة وموائد الإفطار..ثم – فجأة كدة – أصدرت رئاسة الجمهورية، ضحى البارحة، قراراً فحواه : ( إيقاف قرار زيادة تعريفة الكهرباء اعتباراً من أول أغسطس)، أي اعتباراً من ( بعد بكرة)..وعليه، ما لم تكن للمؤسسية معنى آخر، فإن قراراً كهذا يجب ألا يتفاجأ به البرلمان بحيث يستنكر، ويجب ألا يتفاجأ به مجلس الوزراء بحيث يغضب، ويجب ألا تتفاجأ به الهيئة القيادية للحزب الحاكم بحيث ترفض، بل يجب ألا تتفاجأ به الرئاسة بحيث تلغي .. عنصر المفاجأة يجب ألا يكون من سمات تلك الأجهزة والمؤسسات، ما لم تكن وزارة الكهرباء والسدود والري – وباقي الحاجات – خارج شبكة المسماة – مجازاً – بالمؤسسية، أو ما لم تكن الدولة لاتزال تدار بنهج (يازول حرم ما نرجعك ساكت، ح نديك معتمد برئاسة الولاية) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]