جعفر عباس

كدنا نأكل الكاكا

[JUSTIFY]
كدنا نأكل الكاكا

منذ نحو ثلاثة أسابيع وأنا في ماليزيا، والسفر بالذاكرة إلى أول زيارة لي إلى لندن، بعد مضي ٣٦ عاما عليها، سهل عندما أكون في بلد أجنبي، حيث تتداعى خواطر الطائر المهاجر، وتتداخل الذكريات، وعلى حبي لجمال الطبيعة في ماليزيا، فإن أكثر ما يرهقني فيها هو البحث عن طعام صالح لـ «الأكل»، فالماليزيون – الله يقويهم ويعطيهم العافية – يتناولون أطعمة ذات أشكال غريبة ومريبة، وفي أول زيارة لي لها عام ١٩٩٩، كان عيالي في منتهى السعادة لأنه لم يكن هناك طعام تستسيغه النفس سوى الوجبات السريعة، وزاد من سعادتهم أنهم كانوا يعرفون أنني عدو لذلك النوع من الطعام، ومع هذا أتقدمهم إلى المطاعم التي تبيعها، وبعد نحو أسبوع صار عيالي – سبحان الله – يعافون البيرغر وأخواته في الرضاع، وصاروا يحنون إلى الأكل العادي.. وفرحوا كثيرا عندما اكتشفوا مطعما يبيع البيتزا، وطلبوا قطعة قطرها متر إلا ربع، وتناول كل منهم قضمة كبيرة منها ثم «تف.. توووف» أي بصقوها وسط استهجان الزبائن.. إذا زرت ماليزيا للمرة الأولى يجب أن تنبه الجماعة إلى أنك مصاب بحساسية من الأناناس، فهم يضعون شرائح الأناناس في البيتزا والكفتة والفلافل والسجائر والآيسكريم ومعجون الأسنان.. الآن تحسنت الأمور كثيرا في ماليزيا، وصارت هناك العديد من المطاعم العربية والهندية النظيفة التي تستطيع أن تأكل فيها ما يرضي ذوقك الشرقي ولكن إياك و«حذراك» ثم إياك وتناول الطعام في محل ماليزي بلدي بحجة التعرف على أكلات أهل البلد.. أنت وحظك.. قد يكون العود المقرمش الذي يقدمونه لك سحلية أو ضبا منزليا أو نوعا من الزواحف.. وقلت لكم من قبل أن في جنوب شرق آسيا عموما ثمار فاكهة لها شوارب وشنبات تتحرك وهي معروضة ولا تعرف هل أنت التي ستأكلها أم هي التي ستأكلك.

الوضع في ناحية الاستطعام، مختلف في بريطانيا حيث كل ما هو مطلوب من السائح المسلم هو تفادي لحم الخنزير، (أذكر دائما بأن فقه السياحة العربي ينص على أن لحم الخنزير حرام قطعا بينما السوائل الأسكتلندية والبضائع التي تمشي على رجلين في منطقة سوهو وما شابهها فيها «شبهة تحريم»).. المهم أنه لا يوجد شيء اسمه «أكلة بريطانية»، وبالتالي فقد كانت مجموعتنا التي زارت لندن للمرة الأولى عام ١٩٧٦ لدراسة العمل التلفزيوني، تعيش على دجاج كنتاكي وسندويتشات ويمبي ويتسنى لنا بين الحين والآخر تناول طعام هندي او ايطالي.. وبعد شهرين من وصولنا إلى لندن لحق بنا الزميل عبد المحمود وكان اول سوداني يدرس الغرافيكس لأغراض العمل التلفزيوني دراسة منهجية، وكان أصلا تشكيليا فذ الموهبة.. المهم بشرنا عبد المحمود بأنه أتى معه من السودان ببعض الفول «الناشف»… وطبخناه بحسب الأصول المرعية، وكعادة السودانيين لابد من إضافات للفول ليصبح مذاقه أكثر روعة، فخرج أحدنا واشترى بصلا أخضر وطماطم حمراء تجنن.. وقطعناها على الفول ثم أضفنا إليه الملح والزيت والكمون وسال لعابنا أثناء كل ذلك وتحلقنا حول صحن كبير وغمس كل واحد منا قطعة رغيف في الفول ووضعها على فمه وصرخنا في تزامن كورالي: إخخخ… تف.. فول بالسكر- هل وضع أحدهم السكر بدلا من الملح على الفول – قمنا بتحريات وتأكد لنا أن ذلك لم يحدث… تناول احدنا قطعة من الطماطم ووضعها في فمه وقال: ده مش طماطم… وتناول آخر حبة طماطم كنا ندخرها لجولة أخرى مع الفول، وقال أيضا إن ذلك الشيء ليس طماطم!! عرفنا لاحقا أن هناك فاكهة تشبه الطماطم في كل شيء واسمها كاكا، هي التي اشتريناها وأفسدت علينا وجبة العمر، وفي كل محل للفاكهة في منطقة الخليج أجد الكاكا معروضة ولكن لم يحدث قط أن أدخلتها في فمي، ليس لأنها أفسدت علينا فولا اشتهيناه، ولكن لأن النفس السوية تعاف الكاكا.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]