تحقيقات وتقارير

الجنجويد السياسي

[ALIGN=JUSTIFY]لا يستطيع مشتغل بالسياسة أو مهتم بها ان يتجاوز أي حديث يدلي به الامام الصادق المهدي، فالرجل المثير للانتباه ظل على الدوام في دائرة الضوء منذ ان لمع نجمه في سماء الستينيات من القرن المنصرم، ولم يكن ذلك بسبب ارثه الضخم وانما لانه كان ومازال وسيظل صاحب مبادأة ومبادرة في السياسة السودانية، وظل ابدا في دائرة الفعل السياسي سواء كان معارضا او حاكماً، لذا يكتسب حديثه حول «استعداد جهات اجنبية لخلق جبهة هي في حقيقة الامر مخلب قط لامريكا واسرائيل»، أهمية خاصة، لان المهدي شدد على ان ما يقوله «كلام محدد» وليس كلاماً عاما.
ولا يبدو واضحا ما اذا كان الامام يدافع عن خندقه الجديد بعد «التراضي الوطني» ام انه يكشف عن جزء حقيقي من مخطط يجري الاعداد له فعلاً، فبعد ان قال «امريكا في سياسة المحافظين الجدد قررت تغيير الهندسة السياسية في البلدان العربية والاسلامية لذلك وقفوا في فلسطين مع جانب ضد الجانب الاخر وكذلك في لبنان وافغانستان والصومال اتخذوا خط التحالف مع جهة ضد جهة أخرى.. ويبدو لي في السياسة السودانية عندهم كيان مماثل يدعمونه بكل الوسائل» عاد وقال «هذه هي الحقيقة وعندما تتضح بشكل جلي سيعمل الحزب ـ حزب الامة ـ بصفته ينتصر للوطنية في المقام الاول على مواجهة هذا المخطط». وهنا يتساءل الكاتب والصحفي محمد سيد احمد عتيق «اذا افترضنا صحة وجود مثل هذا المخطط، فهل المؤتمر الوطني هو المؤهل لمحاربته ليتحالف معه حزب الأمة على خط المواجهة؟ أليس هو نفسه المؤتمر الوطني اللاهث ليل نهار لكسب ود امريكا واستجاب لكل مطالبها؟» بينما يصف المهندس الطيب مصطفى حديث المهدي بانه «كلام من الذهب الخالص بل هو اقيم». موضحا ذلك بأنه «كلام يكشف ان الرجل يقدم الاستراتيجي على التكتيكي ويتسامى على الصغائر والمرارات الشخصية» ماضياً الى القول في تعليقه على حوار الامام بصحيفة آخر لحظة «الصادق المهدي المثقف الملتزم يدرك ابعاد المؤامرة على السودان وتفاصيل المخطط الافريقاني العلماني المندرج تحت مشروع الغابة المسمى بالسودان الجديد المسنود من امريكا واسرائيل».
فهل كان الامام يعني هذا التوصيف لمخالب القطط ام انه كان يعني تلك التي اشار اليها محمد سيد احمد عتيق حين قال لي أمس «هناك ادلة ـ دون جزم ـ على وجود مثل تلك المخالب خاصة في اوساط بعض منظمات المجتمع المدني ومراكزها» ام انه كان يعني قراءة القيادي بحزب الامة الفريق صديق اسماعيل التي تلاها على الصحيفة عبر الهاتف امس «كل الذين يتابعون الشأن السوداني يدركون ان المجتمع الدولي وفي مقدمته امريكا طرح رؤيته حول مستقبل القوى السياسية في السودان وتم رسم وتحديد المنهج لانفاذ هذه السياسة» ماضياً الى التأكيد على استهداف الغرب للقوى السياسية التقليدية حيث «ظلت كل الدوائر الغربية ترميها بالفشل وضعف الاداء في مجال انزال الديمقراطية وتسكينها في دول العالم الثالث، ولما كانت هذه القوى في السودان لا تخدم اجندات الغرب وعلى رأسها امريكا فانها ستظل تسعى لاستبدالها بخلق تحالفات جديدة» ام ان الامام لم يكن يعني لا هذا ولا هذا ولا ذاك بدليل انه ترك الامر مفتوحاً الى حين اتضاح الحقيقة «بشكل جلي».
على كل يقول عتيق «موضوع مخالب القطط المحلية في تنفيذ المخطط الامريكي الصهيوني في السودان يجب ان يناقش بعيداً عن مبررات الاصطفاف الجديد بين الامة والمؤتمر الوطني» بينما يشترط الامين العام لحركة القوى الحديثة قرشي عوض على الامام الصادق المهدي ان ينفي حقيقة ان السودان يتعرض لضغوط دولية بسبب سجله فيما يتعلق بحقوق الانسان قبل ان يتحدث عن مخلب قط داخلي لتنفيذ اجندة دولية ضد السودان، كما حدث في افغانستان والعراق، ويضيف قرشي في محادثة معه امس «نحن ببساطة نوفر الثغرات المطلوبة لامريكا واسرائيل للتدخل في شؤوننا ثم نملأ الارض صراخاً».
ومع ذلك ما حقيقة وجود مخالب قطط تسعى لتنفيذ اجندات خارجية وكيف يتم التعامل معها في حال ثبوت وجودها؟ الامام المهدي لا يدع الباب مواربا في الحلقة الثانية من الحوار المذكور «سنكشف المخطط بكل ابعاده الخطيرة على الوطن وابعاده على بلدان عربية واسلامية اخرى.. وسيجعلنا هذا الموقف بالضرورة حريصين على ان يقود حزب الامة مهمة التصدي لهذا التآمر.. وسنتخذ اساليب ووسائل مختلفة، منها ابرام تحالفات سياسية.. سنتخذ اي شكل ، لا استطيع الجزم بذلك لكن مبدئيا سنحرص على قيام جبهة تدافع عن الوطنية في وجه جبهة اخرى نعلم جيداً انها ستكون مخلب قط للنفوذ الاجنبي في السودان وسيكون هذا واجباً وطنيا».
اذاً هو اصطفاف لمجابهة وشيكة بين طرفي صدام جديد وان لم تتحدد بعد بشكل نهائي ملامح الصراع ولا ملامح المتصارعين، فقط المهندس الطيب مصطفى يصر ان الصادق المهدي «فهم ما غفل عنه وتغافل الكثيرون ممن تشغلهم الصغائر عن الكبائر والخصومات الشخصية عن عظائم الامور والمتحرك والتكتيكي عن الثابت والاستراتيجي» داعياً المؤتمر الوطني والحكومة لأن «لا تقف مكتوفة الايدي تاركة الرجل يخوض المعركة لوحده وانما عليها ان تعتبر هذه المعركة معركتها حتى لا تنتكس هذه المسيرة القاصدة التي سيكون المؤتمر الوطني بل والسودان والهوية العربية والاسلامية أكبر الخاسرين ان هي سقطت أو تراجعت».
بينما يذهب محمد سيد أحمد عتيق الى انه في حال ثبوت وجود مخالب القطط «فهي – وبكل وضوح – تستهدف العروبة السودانية بالدرجة الأساس على طريق التهميش المضاد للتهميش الذي كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة» وعن الاصطفاف الجديد وعن كيفية المواجهة يقول عتيق «لا يستقيم تاريخياً ولا جدلياً مواجهة مثل هذا المخطط بنفس القوى والفئات التي حكمت السودان منذ الاستقلال وحتى الآن وتم احتسابها على العروبة، لأنها مجرد فئة ذات مصالح طبقية متشابكة تضم بشراً من كل اقاليم البلاد وان كان غالبيتها من الوسط والشمال ولا يمكن ان تكون ممثلاً للعروبة السودانية في جوهرها السلمي المتسامح والحضاري الانساني والتي عانت، مثلها مثل عناصر تركيبة السودان الوطنية الأخرى، من التهميش» ماضياً إلى القول «العروبة السودانية تحتاج أولاً إلى «تحرير» إذا جاز التعبير، تحريرها من الفئات الطبقية المحسوبة زوراً بأنها تمثلها، أي تبرئتها ثم نسأل بعد ذلك: من همش من؟ على طريق مواجهة مخالب القطط» مضيفاً «وهكذا سنكون قد توجهنا إلى أس الداء».

التقي محمد عثمان : الصحافه [/ALIGN]