جعفر عباس

احترمني ولا تعبث بوقتي

[JUSTIFY]
احترمني ولا تعبث بوقتي

أمر آخر يتفق معي كثيرون في أن الخواجات يتفوقون فيه علينا، بل هو سر تفوقهم علينا، ألا وهو احترام المواعيد،.. والمواعيد ليست بالضرورة تلك التي تكون بين شخصين أو أكثر، بل هي التقيد بساعات العمل، وبداية ونهاية «الفعاليات»، سواء كانت محاضرة او ندوة او وليمة، وتعلمت الانضباط في العمل من الخواجات، ولكن قبل سفري للمرة الأولى إلى لندن، وكان ذلك خلال الفترة التي عملت فيها مترجما وضابط علاقات إعلامية في السفارة البريطانية في الخرطوم، فمهما بكّرت في الحضور إلى مبنى السفارة، كنت أكتشف أن معظم الدبلوماسيين والموظفين السودانيين سبقوني في الشروع في العمل قبل الوقت المحدد لذلك، وقبلها كنت أعمل في التدريس، وهو مجال دخلته بروح الطالب، وبالتالي كنت شديد النفور من الحصتين الأولى والثانية، وأحرص عند وضع جدول الحصص الزوغان من تلكما الحصتين، وأحسب أن سبب تلك الكراهية هو أن الحصتين كانتا مخصصتين للرياضيات (وهي عندي فاروق الفيشاوي المقررات المدرسية)، من أول المرحلة الابتدائية وحتى نهاية «الثانوية».. (هل من فاعل خير يدلني على سبب تسمية المرحلة الدراسية التي تأتي بعد المتوسطة/ الإعدادية بـ «الثانوية»… والشيء الثانوي هو الشيء قليل الأهمية.. الهامشي.. غير الأساسي.. فكيف تكون المرحلة التي تؤهل الإنسان للتعليم العالي «ثانوية»؟).. وطالما لم أكن مكلفا بالتدريس خلال الحصتين الأوليين، فلم يكن هناك ما يستوجب مغادرتي البيت في الصباح الباكر مثل الموظفين الديوانيين.. وهناك أمر آخر يرتبط بمهنة التدريس، وهو أن المدرس ليس ملزما بالبقاء في المدرسة بعد الفراغ من الحصص المخصصة له، وفي السنوات الأخيرة صارت إدارات بعض المدارس تلزم جميع المدرسين بالحضور في ساعة معلومة، والبقاء في المدرسة حتى نهاية اليوم الدراسي، وهكذا حتى لو فرغ الواحد منهم من تدريس حصصه في الحادية عشرة صباحا، فإن عليه أن يبقى حبيس مكتب كئيب نحو ثلاث ساعات «إضافية»، وأعتقد أن في ذلك ظلما وتعسفا لا أجد له تبريرا، فالتدريس ليس فقط مجرد «حصص»، طول كل منها ٤٠ أو ٤٥ دقيقة، بل يعني أن يعود المدرس إلى بيته يوميا حاملا عشرات وربما مئات الدفاتر والأوراق لتصحيحها (تصليحها كما يقولون في الخليج).

المهم ان العمل في السفارة البريطانية غرس في نفسي احترام المواعيد، ولم تكن المواعيد عندهم تتعلق فقط بالعمل، بل حتى الحفلات الرسمية تبدأ وتنتهي في توقيت معين، وطبعا البريطانيون يعجبونك في الحفلات، فما من شهر إلا ولهم فيه مناسبة تستوجب تعطيل العمل والاحتفال، وكان يحز في نفسي ان بعض كبار المسؤولين السودانيين كانوا يُفاجأون بالسفير أو مستشار السفارة يقول للجميع ما معناه: شكر الله سعيكم واعطونا عرض أكتافكم، بعد وصولهم بدقائق معدودة، لأنهم وصلوا إلى مكان الحفل قبل الموعد المخصص لانتهائه بتلك الدقائق المعدودة.. لا مجال للبكش لأن سعادة وزير شؤون البطيخ أو وكيل وزارة الشمام وصل متأخرا و«لا بأس في تمديد أمد الحفل»

وشيئا فشيئا صرت أحدد علاقاتي بالناس بمدى احترامهم للمواعيد التي يضربونها للقائي، وبالتالي انكمشت علاقاتي الاجتماعية، لأن ما يحدث في غالب الأحوال هي أن من «يواعدني» يخلف الموعد أحيانا بأكثر من ساعة.. وأعتقد أن عدم احترام المواعيد نوع من عدم احترام الناس، ولهذا أغضب بشدة من كل من لا يلتزم بالموعد المضروب بيننا، ورحمة بأعصابي صرت إذا دعيت إلى حفل زفاف في الثامنة مساء أتوجه إليه في العاشرة، وإذا كانت هناك ندوة أو محاضرة مهمة في السابعة مساء، فإنني أذهب إلى مكان انعقادها متأخرا ٩٠ دقيقة لأجد نفسي جالسا في الصف الأمامي – ورغم ذلك – منتظرا ساعة أخرى حتى تبدأ الفعالية.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]