«البشير» و«هاشم صديق» و«كاريكا» نجوماً لعام مضى
وللإصلاح السياسي ركائز ينهض عليها، أهمها على الإطلاق إطلاق الحريات السياسية والإعلامية كضرورة لأي حل سياسي لأزمات البلاد، وفي غياب حرية الصحافة، والقيود المفروضة عليها بالقوانين والإجراءات الاستثنائية، يصبح أي حديث عن الحريات مجرد تجديف في اليابسة، وإنشاد وألحان لا تطرب حتى زامرها.. والأحزاب المعارضة لن تستطيع خوض الانتخابات القادمة إذا كانت الحكومة تضع قيوداً على حرية التعبير والتنظيم، وتقيد حرية النشاط السياسي بحزمة إجراءات لائحية تعيق تواصل الأحزاب مع قواعدها.. ولا تملك الأحزاب صحافة تعبر عنها وإن تحصلت الأحزاب على تصاديق لإصدار صحفها فإن سيف الإيقاف سيطالها.. والآن تخلو الساحة من أية إصدارة صحافية تعبر عن حزب سياسي بما في ذلك المؤتمر الوطني الحاكم الذي أفلست صحيفته وأغلقت أبوابها وسُرح صحافيوها.. بينما أوقفت السلطات صحيفتي المؤتمر الشعبي (رأي الشعب) والحزب الشيوعي (الميدان)، وكسدت صحيفة (الاتحاد) في الأسواق.. وأحزاب الحكومة المتحالفة معها لا تحدثها نفسها بإصدار صحف للتعبير عنها.
وفي غياب صحافة حرة وأحزاب تملك القدرة على مخاطبة قواعدها، تصبح الانتخابات إهداراً للموارد، خاصة إن كانت تقديرات مفوضية الانتخابات لكلفة العملية الانتخابية تصل إلى (361) مليون دولار يتوجب على وزارة المالية دفعها.. ولن تساهم جهات دولية أو إقليمية في دعم الانتخابات القادمة مثلما ساهم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في الانتخابات الماضية، نظراً لوجود منافسة حقيقية حينذاك بمشاركة الحركة الشعبية.. أما الانتخابات القادمة فإن كل المؤشرات تعزز مقاطعة المعارضة لها بذريعة التزوير طوراً وغياب شروط المنافسة الصحفية طوراً آخر.
والإصلاح السياسي الذي يدعو إليه المؤتمر الوطني مرتبط أيضاً بتعديل نصوص القوانين واللوائح لا الدستور الذي يعدّ من أفضل الدساتير في المنطقة العربية والإسلامية والأفريقية، لكن دستور السودان ومقاصده الواردة في النصوص تهزمها القوانين واللوائح المنظمة.. لذلك أضحى دستور السودان كالوردة بلا عطر!!
أما قضية الإصلاح الاقتصادي، فمثلما قضية الإصلاح السياسي على ارتباط وثيق بالحريات، فإن الإصلاح الاقتصادي رهين بإيقاف الحرب في المنطقتين وإقليم دارفور، وأي حديث عن زيادة الإنتاج ومضاعفة الصادرات، وحتى التوسع في التنقيب عن المعادن، رهين بتحقيق السلام ووقف الحرب التي تمتص كل عائدات البلاد من العملات الصعبة وتجعل الحياة شبه مستحيلة.. وأكبر مهدد للحكومة هو التحدي الاقتصادي، وقد بلغت الأوضاع الآن مرحلة صعبة جداً، وتجاوز سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء الأسبوع الماضي الثمانية جنيهات ونصف الجنيه، وفي حال استمرار الحرب دون تسوية حتى نهاية العام فإن سعر الدولار قد يصل إلى أكثر من اثني عشر جنيهاً، مع العلم بأن العملة السودانية قد تم خفضها بحذف صفر من يمينها..
وقد توقف عملياً بترول الجنوب من ولاية الوحدة، وتبقى بترول أعالي النيل الذي ربما توقف اليوم أو الأسبوع القادم في حال تمادي الطرفين الجنوبيين في الرهان على البندقية وحدها لحسم الخلاف بينهما.. وحتى إذا انساب بترول الجنوب وتضاعف إنتاج السودان من النفط إلى أكثر من مائتي ألف برميل في اليوم، فالحرب كفيلة بالقضاء على عائدات صادر البترول.. ومهما بسطت الدولة من سيطرتها على مناطق وجود الحركة الشعبية في جبال النوبة فإن حرب العصابات لا يمكن القضاء عليها إلا بالحل السياسي، وكلما توسع وجود القوات المسلحة على الأرض زادت تكاليفها.. والحرب لها أسباب سياسية، وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية فالقضايا لا تموت، والحكومة قد اعترفت بأن لجبال النوبة قضية وللنيل الأزرق قضية..
لكن تسوية وحل تلك القضايا يتطلب دفع ثمن للتسوية، ولا حل دون استحقاقات تدفعها الحكومة، فهل ثمة إرادة حقيقية لدفع ثمن التسوية؟؟ قد يتساءل البعض ما الثمن الذي يتوجب على الحكومة دفعه لتحقيق السلام؟؟ القضية ليست كراسي سلطة وحقائب وزارية، فقد أتخمت دارفور بالوزارات والمواقع السيادية والوزارات الاقتصادية من مالية وطرق وجسور وصحة وصناعة ونائب للرئيس ورئيس لمجلس الولايات، ولكن الحرب زادت اشتعالاً، وعجز الجيش (العرمرم) من الوزراء ووزراء الدولة ونائب الرئيس من د. «الحاج آدم» وحتى «حسبو محمد عبد الرحمن» عن دخول معسكرات النازحين ومخاطبة سكانها الذين شردتهم الحرب للقطيعة النفسية بين هؤلاء والحكومة المركزية، التي إذا لم تتخذ سياسات عادلة وشفافة في تقسيم الموارد بعدالة بين المركز والولايات لن تصمت أصوات الاحتجاجات، ولن تصمت أصوات البنادق، وفي استمرار الحرب وتطاولها المزيد من استنزاف الموارد المركزية وتوقف عجلة التنمية..
والآن في مناخ الحرب توقفت كل مشروعات التنمية بجنوب كردفان ودارفور، واستهدف التمرد وقف الإنشاءات في الطرق والجسور، ولولا الحرب التي نشبت قبل عامين لبلغ الطريق الدائري (أم روابة- رشاد- العباسية) مدينة أبو جبيهة، ولبلغ طريق (الإنقاذ الغربي) الفاشر وزالنجي وربما الجنينة، لكن الحرب عطلت عجلة التنمية، والآن (الهمهمات) والأصوات الخافتة ترتفع، متهمة الحكومة المركزية بإطالة أمد الحرب عمداً، وفي مناخ كالذي تشهده جنوب كردفان ودارفور يتآكل يومياً الولاء السياسي للأحزاب القومية، وينكفئ ولاء المواطنين على الجهوية والقبلية، ووقف مشروعات التنمية الذي تم بيد الحركات المسلحة وتدبيرها، توظف الواقع في خطابها السياسي لاستقطاب المواطنين لمشروعاتها السياسية.. والحديث عن السلام كشعارات لا يغني عن القيام بخطوات حقيقية من أجل إنقاذ اقتصاد البلاد من شفا الانهيار.. وفي حال استمرار الحرب الحالية فإن الحكومة ستعود مرغمة لاتخاذ حزمة جديدة من قرارات رفع الدعم، وبالتالي يتوقع أن ترافقها احتجاجات في الشارع..
صحيح أن الحكومة بمقدورها قمع التظاهرات اعتماداً على آلتها العسكرية، ولكن في لحظة ما تصبح الآلة العسكرية نفسها خصماً على النظام، وأي نظام يغلق أبواب الحلول السياسية ويضع رهانه على البندقية يخسر المعركة في نهاية المطاف.. ولا تبدو المسافة بعيدة والحلول مستحيلة إذا كانت هناك قناعة بالسلام، كالتي عبر عنها الفريق «بكري حسن صالح» النائب الأول للرئيس غداة لقائه بالصحافيين في القصر الجمهوري بعد تعيينه في المنصب الرفيع!!
أما الإصلاح الاجتماعي فإنه يتناسب طردياً مع الإصلاح السياسي والاقتصادي، وقد أصاب الفقر عظم الشعب السوداني بالانكسار، وتفشت الأمراض الاجتماعية، وتمدد الفقر في المجتمع.. وكل السياسات التي تحدثت عنها الدولة لتخفيف حدة الفقر تذهب هباءً منثوراً.. وديوان الزكاة يتخذ من الشعيرة وإطعام الفقراء بما لا يسد الرمق سوقاً للدعاية الإعلامية، ويباهي ديوان الزكاة في المنابر السياسية بتقديم صكوك مالية لكبار المسؤولين في المناسبات السياسية كمساهمة منه في تعظيم الشعيرة، ولكنه يصد الفقراء والمحتاجين عن أبوابه بالشرطة وحراس أمنيين يأتي بهم لمكافحة وجود الفقراء حول بنايته وأبراجه.. والقضايا الاجتماعية في السودان أخذت تتشابك خيوطها، والحكومة وحزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الحاكمة من وراء الحزب تخلت تماماً عن قضية الإصلاح الاجتماعي، وصرفت جهدها ووقتها في قضية الإصلاح السياسي، وبات الحفاظ على السلطة والتشبث بكراسي الحكم مقدماً على الإصلاح والقيم الفاضلة.. ويشهد السودان الآن انحطاطاً قيمياً، تتجلى مظاهره في صفحات (الجريمة) في الصحافة السياسية، والصحف الاجتماعية، وزيارة واحدة إلى ملاجئ الأطفال اللقطاء في (المايقوما) و(دار الرعاية الاجتماعية) بالجريف تكفي للنظر إلى أين نحن الآن!!
ولا تشعر الحكومة بحرج في انصرافها عن الإصلاح الاجتماعي، بل إن صحيفة مثل (الأهرام اليوم) تقف بالقرب من الحكومة، تسربت من بين يديها مادة تسيء للشعب السوداني وقيمه، وتتهم البيوت باحتضان السكارى والزناة والمسطولين، ولم تبد الحكومة ولا حزب المؤتمر الوطني مجرد أسف على ما كتب، بل كثير من الكتاب والصحافيين المساندين للنظام يكتبون عبارات خادشة للحياء العام وصادمة للشعور الجمعي للسودانيين، وتستحسن الحكومة فاحش القول وبذيء العبارات ما دام كاتبها مسانداً للنظام، وموجهاً فاحش قوله لخصومها من المعارضين وحاملي السلاح.
رحم الله الشهيد «الزبير محمد صالح» الذي حينما نشرت إحدى الصحف الموالية للإنقاذ في بواكير صباها مقالة تنتقد أحد المعارضين اتهم منسوبي الحكومة بالاعتداء عليه في المعتقل، وكتبت حديثاً يشكك في أخلاقيات المعارض الذي كان ينتمي سابقاً للقوات المسلحة، وجه الشهيد «الزبير» مدير جهاز الأمن باستدعاء رئيس تحرير الصحيفة المقربة من الحكومة وتعنيفه بشدة وتم إيقاف الصحيفة عن الصدور لأنها أساءت إلى ضابط سابق في القوات المسلحة، وأية إساءة لضابط في المعاش تمثل إساءة للقوات المسلحة.. ولو كتب الله للشهيد «الزبير» عمراً حتى اليوم، لمات غيظاً وكاتب كبير يستخدم عبارات خادشة للحياء العام لا أستطيع إعادة نشرها، لأن هناك العشرات من بناتي وبنات أخواتي وإخواني ربما يطالعون ما أكتب، وقبل ذلك فالحياء يحول دون اجترار
سوءات الغير!!
إن القضية الاجتماعية في السودان في غاية الحساسية والسياسات الاقتصادية في البلاد التي تقرها النخب الاقتصادية إذا لم تضع في اعتبارها أثر تلك السياسات على المجتمع، فتلك هي الكارثة بعينها.. والمؤتمر الوطني الذي يباهي بشعبيته وجماهيره وحشوده المليونية أين هو من الشباب الهائمين على وجوههم في الطرقات يبحثون عن مسارب فرح في الحفلات التي تقام في الأندية والصالات المغلقة، والشباب الذين احتشدوا بآلاف لاستقبال جثمان المطرب الراحل «محمود عبد العزيز»، وقد انصرفوا عن الالتحاق بقوات الدفاع الشعبي تطوعاً لمواجهة المخاطر لإحساسهم أن الحرب التي تدور ليست حربهم.
نجوم في السياسة { انقضى العام 2013م بكل أحزانه وأفراحه.. وأطل عام جديد، ولكن مع رحيل العام المنصرم أخذت أحداثه وشخوصه ونجومه التي سطعت وتلك التي أفلت، تأخذ حيزاً في الوسائط الإعلامية في كل العالم.. فماذا عن السودان؟؟يعدّ الرئيس «عمر البشير» نجماً سياسياً بارزاً في الساحة السياسية لما يمثله من دور محوري في السياسة ببلاده، فـ»البشير» أوفى بعهده الذي قطعه بتجديد مفاصل حكومته على أن يذهب هو في آخر الأمر وترشيح حزبه خليفة له.. و»البشير» الذي انفتح داخلياً على كل القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وأمسك بخيوط اللعبة في يده، يعدّ النجم الحقيقي للعام المنصرم.
أما على صعيد الوزراء، فإن أداء الأستاذة «سعاد عبد الرازق» وزيرة التربية هو الأفضل من بين الوزراء، والنائب البرلماني لدائرة بارا الغربية «مهدي عبد الرحمن أكرت» أشهر النواب في البرلمان، ود. «عبد الرحمن الخضر» في ولاية الخرطوم أبرز الولاة، والسفير «عبد الرحمن ضرار» هو نجم الدبلوماسية للعام المنصرم، و»جمال الوالي» أشهر إداري رياضي في بلادنا، و»مدثر الطيب كاريكا» أفضل لاعب، والشاعر «هاشم صديق» هو شاعر السودان للعام المنصرم.. وكل عام وأنتم بخير.
صحيفة المجهر السياسي
ت.إ[/JUSTIFY]