الطاهر ساتي

(تعال تمها) …!!

(تعال تمها) …!!
بمدارس أرقو السير، وفي إطار تعليمنا اللغة العربية، كان النظار يصدرون بعض التوجيهات، ومنها : (منع التحدث بالنوبية داخل أسوار المدارس)، ثم يفرضون علينا رقابة صارمة بواسطة – بعض الزملاء – طوال ساعات الدراسة و(فسحة الفطور)..وكان هذا المنع مرهقاً، وكثيراً ماكنا نجلس – تحت أشجار النيم – كالصم والبكم، لكي لا نخرق توجيه الناظر ونتعرض للجلد.. ذات يوم تساجل ابن خالي – بعربي دنقلا – مع بعض الزملاء حول أداء هلال مريخ انتهت بالتعادل، واحتدّ في السجال، وأراد أن يختمه بإحدى شتائمنا النوبية، فنطق الكلمة الأولى وتذكر توجيه الناظر، فقطع الشتيمة والتفت إلىّ طالباً (عليك الله يا الطاهر تعال تمها، أنا أمبارح اتجلدت)..فضحكت واعتذرت بهز الرأس يميناً ويساراً..!!
** وهكذا الحال تقريباً حين تتحدث الصحف عما يحدث في بعض عواصم ومدائن ولايات دارفور منذ أشهر..نعم، فالحديث الفصيح عن الوضع الأمني بجنوب وشمال دارفور، قد يستدعي القطع ثم طلباً من شاكلة (تعال تمها)..فلنقرأ ما يلي نصاً، على لسان اللواء شرطة طه جلال الدين، مدير عام شرطة ولاية جنوب دارفور، إذ يقول : (يزعجنا ويقلقنا تزايد استخدام الأسلحة النارية بالولاية من قبل مجموعات مسلحة، وهذا أدى الى تنامي عملية السلب والقتل والنهب، وهناك مجموعة أطلقت النار على دورية شرطة وأمن، وتسبب في جرح ثلاثة من أفراد القوات المشتركة..ده شغل جديد، لم نألفه من قبل)، هكذا نص الإنزاعج وخبر (الشغل الجديد) على لسان مدير شرطة جنوب دارفور .. نعم، لقد صدق اللواء شرطة طه (ده شغل جديد)، ليس إطلاق الرصاص على شرطة المدينة فقط ، بل كثيرة هي الشواهد والوقائع التي تكشف بأن هناك (شغل جديد) بعواصم ومدائن جنوب وشمال دارفور..وربما كان أخطر (شغل جديد) هو قتل معتمد الواحة – بشمال دارفور- في سوق المحلية، وكان الحدث جهاراً نهاراً، وتحت سمع وبصر الناس أمام طلمبة وقود .. ثم (الشغل الجديد) هو ما تتعرض له بعض أفرع المصارف بعاصمة جنوب دارفورمن نهب مسلح بين الحين والآخر، بحيث يكاد أن يصبح نهب مصرف خبراً روتينياً .. وكذلك (الشغل الجديد) هو ما تتعرض له قوات اليونميد من نهب – شبه أسبوعي – مسلح .. وهكذا تترى الوقائع، وكلها بعواصم جنوب وشمال دارفور، وبالتأكيد منها ما لم تصل أنباء نهبها المسلح الى مسامع الإعلام ..!!
** فالسؤال المحرج للحكومة أمام أحداث كهذه، هو (من هؤلاء؟)..ليس من العقل أن ننسبهم الى حركات مناوي وعبد الواحد وخليل إبراهيم، إذ لم نسمع بأن قوات الحركات المسلحة اقتحمت عواصم ومدائن دارفور بحيث تمارس النهب والقتل في الأسواق والمصارف.. نعم، قوات الحركات المسلحة في الأدغال والوديان التي تقع خارج حرم تلك العواصم والمدائن، وهناك تتعامل معها القوات المسلحة هجوماً ودفاعاً.. وكذلك لم تصدر أية جهة رسمية، مركزية كانت أو ولائية، بياناً يتهم الحركات المسلحة بعمليات النهب المسلح التي تتعرض لها حياة العواصم والمدائن، بشراً ومالاً.. بل يكتفي كل متحدث عن تلك العمليات بنسبها الى (مجموعات مسلحة)، وعليه نكرر السؤال مرفقاً بسؤال آخر : ما هي هذه المجموعات؟، وكيف تسربت إليها الأسلحة؟..الإجابة ليست مجهولة للسيدة الحكومة، ولذلك فلتكن إجابتنا طلباً من شاكلة : (تعالي تميها) ..!!
** على كل حال، السيناريوهات تعيد تفاصيلها في بلادنا، ولم تسقط من ذاكرة الناس ماحدث لسيارات شركات البترول بعد تحرير هجليج.. لقد تعرضت للنهب أيضاً، بعد التحرير وليس قبلها، ولذلك كانت السلطات تناشد وتحذر الناهب بإعادة السيارة المنهوبة، ولا ندري (رجعوها ولا لا؟)، فالمهم ليس من العقل أن نتوهم بأن السلطات ناشدت وحذرت – يومئذ – قوات الجنوب بإعادة السيارات، بل كانت تناشد وتحذر ما أسمتها أيضاً ب (مجموعات مسلحة).. وهذا مايحدث – بالضبط – في عواصم ومدائن دارفور.. الدول ذات الأنظمة الراشدة هي التي تحتكر السلاح بواسطة أجهزتها الرسمية فقط لاغيرها، ثم تدع بقية السلع للمجتمعات ومجموعاتها المدنية .. ولكن دولتنا، بسم الله وما شاء الله، تحتكر كل أنواع السلع وتدع السلاح – فقط لاغيره – للمجتمعات ومجموعاتها المدنية، ولذلك يحدث ما يحدث .. ومن شاء منكم أن يتمها (يتمها)، و..(ينجلد) …!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]