جعفر عباس

الكلام جاب الكلام


[JUSTIFY]
الكلام جاب الكلام

كان عيالي، بعكس أمّهم، في منتهى السعادة بانتقالهم الى لندن، فقد كان كل يوم يشكل لهم مفاجأة جديدة، وكانوا سعداء بوجودهم في مدارس ليس فيها شتائم او ضرب، وكانوا يرغمونني في كل عطلة أسبوعية على اصطحابهم الى مكان ما في لندن او ضواحيها، وأعجبوا كثيرا بالديناصورات في متحف التاريخ الطبيعي، واستغربت ذلك، لأنه يفترض في كل من ينتمي الى العالم العربي أن يكون قد «قرف» من رؤية الديناصورات التي قاومت الانقراض ومازالت تبطش بالكثير من الشعوب العربية.. اصطحبتهم ذات يوم الى حديقة الحيوان في كامدن تاون، ورأى ولدي لؤي – وكان عمره وقتها فوق السنتين بقليل – الذئب، وسألني: بابا ده لحم الخنزير؟ تذكرت سؤالا وجهته الي ابنتي مروة عندما كانت في مثل سنه: بابا الفلافل نبات وللا حيوان؟ وكي لا تتهموها بالغباء، تذكروا أننا في السودان نقول «طعمية»، وليس فلافل، ولكن فلافل تسربت مؤخرا الى القاموس السوداني، مثلما تسربت كلمات مثل «بنشر» التي سربها الى البلاد المغتربون السودانيون في منطقة الخليج، وتعني المحل المخصص لمعالجة تسرب الهواء من الإطارات المطاطية للسيارات، ولم يكلف سوداني نفسه معالجة الخطأ الذي وقع فيه الخليجيون، والذي استدرجهم اليه الهنود الذين كانوا ولا يزالون يسيطرون على معظم محلات البنشر، وأصل الكلمة «بنكشر» erutcnup بلغة الإنجليز، وهي نفس الورطة التي أوقعنا فيها الهنود بكلمة ورنيش، الدهان المستخدم لتلميع الأحذية لأن بينهم وبين حرفي دبليو W وV الانجليزيين عداوة فصارت «فارنيش»، ورنيش، كما صارت فيزا ويزا، أما الكلمة التي تسربت من بقية الدول العربية الى السودان وتستفزني أكثر من صورة فاروق الفيشاوي، فهي «دوام» بمعنى ساعات العمل، فالكلمة عربية مائة في المائة ولكن استخدامها بالمعنى السائد اليوم خاطئ تماما: أنت متأخر عن الدوام.. نلتقي بعد الدوام.. الدوام في رمضان خمس ساعات.. ويحاول بعض المتفلفسين (وهم المتفلسفون عن جهل مع سبق الإصرار) أن يبرر استخدامها بأن الإنسان يدوام على العمل.. لو كان ذلك صحيحا لأسمينا الطعام «دوام» لأن الإنسان يداوم على الأكل .. وقس على ذلك.

وفي أول عهدي بمنطقة الخليج كنت أستهجن أن جمع سيارة عندهم سيايير، وعمارة عماير، وفي السعودية يجمعون عصير عصيرات، ولكنني تذكرت أننا في السودان نسمي الدجاج جداد والشمس شمش.. وأهل جنوب شرق آسيا عندهم عداوة مع حرف «ف» وبالتالي فان اسمي عند الفلبينيين «جابر»، والكوريون يقلبون الراء «لاما» واللام راء، وبالتالي يصبح اسمي عندهم جابل (طبعا حرف العين يروح فيها في كل اللغات تقريبا ما عدا بعض لغات القرن الإفريقي)، وعندما هام صديقي الدكتور عبداللطيف البوني بحب كوندوليسا رايس وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي التعس جورج دبليو بوش نبهته إلى أن الكوريين ينادونها «لايس» واللايس في الإنجليزية هو القمل.. يعني مش قملة واحدة بل كتيبة من تلك الحشرات مصاصة الدماء.

يفترض أنني في هذه السلسة أتكلم عن تجربتي كعربيقي في لندن، ولكن الحديث ذو شجون، والكلام جاب الكلام، ودخلت في فذلكة لغوية، وتذكرت الآن ان اسمي في بريطانيا هو «جافا» لأن الراء R التي تأتي في آخر معظم الكلمات الإنجليزية تروح فيها ولا تُنطق، وحكى لي صديق قطري كيف انه في أول زيارة له لأمريكا كان في مطار نيويورك في انتظار طائرة تنقله الى مدينة سياتل في وقت معلوم، وبعد ان فات ذلك الوقت المعلوم توجه الى موظف الاستعلامات، وعلم ان الطائرة أقلعت في مواعيدها بعد إعلان قيامها عدة مرات عبر مكبرات الصوت، ولكن الأمريكان يقلبون «ت» الى «د»، وبالتالي فهم يقولون إن عاصمتهم «واشندن»، لأن الطاء تاء «مفخمة»، وعندما سمع صاحبي ان هناك رحلة إلى سيادل لم يخطر بباله أنها سياتل التي ينشدها.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]