الطاهر ساتي
رب البيت و(دُف الفوضى) ..!!
** نحكي عن مركب التوم، ونواصل.. قبل المعدية والكبري، شاء القدر بأن تكون مُركب التوم هي الوسيلة الوحيدة التي تقل الأهل وأنعامهم ومحاصيلهم من الضفة الشرقية للنهر إلى ضفته الغربية عندما يقصدون دنقلا للعلاج والتسوق ..لم يكن للتوم معياراً لرسوم النقل ، بل كان يجلس صامتاً حتى تصل المركب منتصف النهر، فيغير اتجاه الشراع و يمسك بالدفة ويديرها بحيث تلف المركب حول نفسها، ثم يبدأ الصياح : (الغنماية دي حقت منو؟)، فتظهر صاحبة الماعز ويطالبها : (جيبي اتنين جنيه) ..ثم يصيح : (التيس دا حق منو؟)، ويظهر صاحبه، ويطالبه (جيب جنيه) ..ثم يصيح (شوال البصل حق منو؟)، ويظهر صاحبه، فيطالبه (جيب اتنين جنيه)..وهكذا، بلا أي معيار وبمنتهى الصلف، ولم يكن للأهل حق الاعتراض ..علماً بأنه كان يتعمد التحصيل ـ حسب هواه – في (نص البحر)، أي في موقع يكون الرجوع منه مستحيلاً ، ليتم الدفع إكراهاً وإرغاماً..!!
** وهذا مايحدث بمطار الخرطوم ياوزير المالية.. ليس هناك أي معيار لرسوم الجمارك ..فالشرطي يلطمك بقيمة خرافية ثم يتفاوض معك بحيث يصل بك قيمة أخرى أخف وطأة، وما هكذا تدار الجمارك في بلاد الآخرين، أي لا حسب مزاج الشرطي ولا حسب (حنك المغترب).. ترك المعيار لطرفي السجال – الشرطي والمغترب – إن لم يكن مدخلاً من مداخل الفوضى، فهو مدخل من مداخل الفساد..نعم، فالذي يملك سلطة رفع وتخفيض قيمة الجمارك، قد يستخدم تلك السلطة استخداماً تقديرياً لايضر الناس والبلد، وقد يستخدمها استخداماً استغلالياً بحيث ينفع نفسه فقط ويضر الناس والبلد..ولمنع حدوث الاحتمال الثاني – ولو بأقل نسبة – تضع الأنظمة معايير وضوابط ذات أرقام وأحجام وأوزان وماركات بمنافذ جماركها، بحيث لايتجاوزها أحد..وهذا ما لايحدث بجمارك مطار الخرطوم، بل ما يحدث هو (تليفزيونك ده بـ 250 دولاراً، لكن جيب200دولار)..ثم يتواصل التفاوض والسجال بنهج (عليك الله ياجنابو، عليك الرسول يا سعادتو)، وكأنه قبضك – بالثابتة – في جريمة مخدرات وتتوسل إليه (للمخارجة).. في نهج التوسل هذا – ياوزير المالية – إذلال للناس ، إن كنتم لاتعلمون أو إن كنتم لاتستمتعون بالإذلال والسادية .. !!
** ثم لنا حكمة، نص ترجمتها (ماف تاجر بيقول : زيتي عكران) ..نعم، فالبعض لايرفع الغطاء عن عيوبه – ولايعترف بها – بحيث يتجنبها الآخر، أوهكذا مغزى الحكمة..ولكن وزارة المالية ليست مواطناً بحيث تقتدي بتلك الحكمة..وزيرها أكثر أهل الأرض حديثاً عن مخاطر تجنيب المال العام على الناس والبلد، وكذلك أكثرهم تذكيراً بأن التحصيل العشوائي للمال العام – بغير أورنيك 15- نوع من المخالفة التي ترتقي لشبهة الفساد..ومع ذلك، إدارة الجمارك التابعة لوزارة المالية – إدارياً ومالياً ومحاسبياً – تمارس التحصيل العشوائي للمال العام بمطار الخرطوم، بحيث تغيب (أورنيك 15)، وتمنح المغترب – بعد يفتح الله ويستر الله – (ورقة فلوسكاب).. إن كانت إدارة كهذه تابعة للمالية ولاتعترف بالإيصال المالي الرسمي للدولة، فلماذا لايكون نهج بقية وحدات الدولة هو (الرقص والطرب)..؟..نعم، للأسف وزارة المالية التي ترفض الفوضى بمؤسسات الدولة، هي ذاتها سيدة الفوضى بمطار الخرطوم ..فلتذهب إيرادات جمارك مطار الخرطوم لمجلس الوزراء، بحيث تصرف في النثريات والإكراميات والبدلات وغيرها، ولكن قانون المال العام يلزم وزارة المالية بأن تمر تلك الإيرادات عبر الدورة المحاسبية للدولة ومراجعها العام ، ولن تمر عبر تلك الدورة ومراجعها العام ما لم يتم تحصيلها بواسطة (أورنيك 15)..ولو لم يكن في أمر تلك الإيرادات (إنّ)، لما تم تجاوز هذا الأورنيك في تحصيلها، أو هكذا يقول المراجع العام في أي موقف كهذا ..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]