جعفر عباس

وللثعلب حقوق على حسابي


[JUSTIFY]
وللثعلب حقوق على حسابي

كانت حديقة البيت الذي انتقلت إليه في ويتستون في شمال لندن «روعة»: نجيل مثل الحرير وأشجار فاكهة وزهور «داير ما يدور»، وكنت أستعين بمنسق حدائق شاب غلبان، للعناية بالحديقة مرة كل أسبوع، وذات يوم دخل الحديقة وصاح مستنكرا ما كنت أقوم به.. قلت له: علام الصياح وأنا أقوم فقط بنزع النباتات الطفيلية من أطراف الحديقة، فقال في سرّه: ما طفيلي إلا أنت، ثم بصوت مسموع: يا مستر هذه نبتات فراولة وليست طفيليات.. وحدثتكم عن شجرة الكرز التي كانت ثمارها أشد مرارة من الحنظل، وكانت هناك شجرتا تفاح وأخريان كمثرى، وكانت في طرف الحديقة كومة من أخشاب يبدو أنها مخلفات شجرة كانت في الحديقة ثم أصابتها الشيخوخة فتم قطعها.. طبعا في لندن لا تستطيع قطع شجرة في بيتك بدون إذن السلطات المحلية، بل ان تلك السلطات حشرية بدرجة أنها قد ترفض السماح لك بإدخال أي تعديلات في جزء من بيتك.. لا تستطيع ان تغير واجهة او مدخل البيت على مزاجك كما يحدث عندنا، ولو قمت بتعديل طفيف في شكل بيتك العام فمن المؤكد أن أحد جيرانك سيبلغ عنك السلطات، فتأتي وتفرض عليك غرامة مالية ثم تأمرك بإزالة «التعديل» الذي قمت به.. وليس هذا من باب التسلط، ولكن لأنهم يحترمون الأصالة والعراقة، ولا يريدون للبيوت والمباني عامة أن تفقد طابعها المميز، ولهذا تجد أن نحو مليون بيت في لندن نسخة مكررة من بعضها البعض. ذات يوم فوجئت وأنا في المطبخ بحيوان «مش غريب علي» يجوس في الحديقة ويأكل التفاحات المتساقطة على الأرض، تمعنت فيه وعرفت أنه ثعلب، وكانت لي كصبي نشأ في أقصى شمال السودان معارك طويلة مع الثعالب، فقد كنا نطاردها ونضربها بالحجارة لأنها كانت تفترس الدجاج كلما غفل الناس عنها، ولكن ثعلب في بيتي؟ هل أنا في بريطانيا أم موريتانيا؟ (قضى أهلنا على الثعالب تماما فلم يعد لها وجود في منطقتنا).. وبعدين ثعلب نباتي؟ المهم .. تسلحت بعود خشبي طويل وطاردته فتسلل هاربا من وسط الأشجار، ولكن زياراته تكررت، وتكررت معها مطارداتي له، ثم اكتشفت أنه ليس زائرا عابرا، بل مقيم في حديقة بيتي وسط كومة من أخشاب الشجرة التي تم قطعها، فاستنجدت بمليشيات سودانية وحركنا أعواد الحطب الضخمة بحيث لا يكون للثعلب منفذ يتسلل منه الى مخبئه، فإذا بجاري الإنجليزي العجوز يحذرني بأن الثعالب في المنطقة تتمتع بحصانة، وأنه لو تم اكتشاف مطاردتي للثعلب ورميه بالحجارة والعصي فإنني سأمثل أمام القضاء.

ثعلب يتعدى على ممتلكاتي، والقانون يمنعني من التصدي له، والقانون يعطيني حق التصدي لابن آدم يتعدى على خصوصياتي حتى بالسلاح!! ولكن أعلى جعفرون يا قانون؟ صارت المعركة بيني وبين الثعلب معركة «كرامة»: يا أنا يا أنت في البيت ده.. وصرت أكمن في ركن مظلم وكثيف الشجر في الحديقة وفور ظهوره أصوب نحوه من مخبئي حجرا يجعله لاعب أكروبات ويهرب.. ولكن الثعلب بطبعه مراوغ، ومثل الذئب تماما فإنه يتوقع أن يغفل من يطارده، فظل يكرر محاولة اقتحام الحديقة، والتسلل الى كوم الحطب فأرجمه بما تيسر من حجارة، حتى تمكنت ذات يوم من إصابته في ساقه فسقط لثوان ثم نهض وهو يجر ساقه وخرج ولم يعد حتى الآن.. قال ثعلب يتمتع بحصانة قال.. عندما أتمتع كابن آدم بالحد الأدنى من الحصانة ضد الملاحقة لشيء قلته أو كتبته عن مسؤول كبير قد أفكر بعدها في احترام حقوق الثعالب والطحالب.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]