الطاهر ساتي

عندما يكون الفشل نجاحاً…!!


عندما يكون الفشل نجاحاً…!!
** لونستون تشرشل تعريف أنيق للنجاح، إذ يعرفه قائلاً : النجاح هو القدرة على الإنتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماستك .. ماذا يقصد تشرشل بهذا التعريف؟.. بالتأكيد لا يقصد أن يرضى المرء بالفشل ويستكين إليه بحيث يتعمد تذوقه، بل يقصد ما هو أعمق وأنبل من ذلك بكثير .. فما يريده تشرشل هو أن يؤمن المرء بشيء في غاية الأهمية، ويقرر أن يصنع شيئاً في سبيل تلك الغاية المهمة، وقد يفشل في محاولة الصناعة الأولى، وربما الثانية، ومع ذلك لا يتوقف عن المحاولة الثالثة أو الرابعة حتى يتحقق تلك الغاية المهمة..والتجارب الثرة والمبادرات الرائدة هي التي تنهض بالشعوب، وليس التقوقع في سجون (دا مستحيل، دا ما ممكن، دا ما بينجح)..!!
** فالتغيير المرتجى – بمعناه الشامل- ليس هو أن تذهب حكومة وتأتي أخرى من بحر ذات المفاهيم الكسولة مع اختلاف الشخوص والأحزاب، ولكن التغيير المرتجى هو تغيير تلك المفاهيم بإلغاء بعضها بكل شجاعة وتطوير البعض الآخر باستخدام نعمة العقل بحيث يكون قلقاً وباحثاً عن الأفضل على مدار الساعة..وما لم تنتهج العقول نهج إلغاء وتحسين المفاهيم- وهذا هو المسمى بالمبادرة – فلن ينجح الفرد والمجتمع ثم يرتقيا إلى بالشعب والبلد الى فضاء النهضة.. فليبادر الكل – حسب موقعه – الى حد إثارة أتربة الدهشة في عيون الناس وعقولهم، وإن فشلت المبادرة الأولى، فاتخذوا أسباب فشلها منصة لإطلاق المبادرة ناجحة..يلا نمشي للموضوع، إن لم يكن هذا موضوعاً، علماً بانه (لب أي موضوع) ..!!
** المهم، أقر المهندس محمد حسن جبارة، بفشل تجربة القطن المحور وراثياً بحلفا والجزيرة، وعن نجاح التجربة بالرهد والسوكي ومناطق أخرى.. كنت ولا زلت – من الذي دعموا هذه التجربة إعلامياً حين انتقدها بعض زملائي، وقلت فيما قلت : دعوها تمر بلا ضجيج.. ولكن للأسف، دقت أقلاماً صفائحها وملأت دوائر برلمانية الفضاء ضجيجاً، وكأن السماء أوحت لها بأن زراعة هذا النوع من القطن رجس من عمل الشيطان، وفي زراعته هلاك للبشرية ..وهؤلاء الأعزاء – حتى ولوصدقت نواياهم – هم الذين ترعبهم التجارب وترهبهم المبادرات ويزعجهم كل ما هو جديد، بحيث توقفت طرائق تفكيرهم في الحياة عند محطة (هذا ما وجدنا عليه آباءنا )..!!
** على كل، مع تأكيد نجاح تلك التجربة بالرهد والسوكي وغيرها، لقد أحسن وكيل وزراعة الزراعة على إقراره بفشل التجربة بالجزيرة وحلفا، وحتماً هناك أسباب لهذا الفشل، وتلافي تلك الأسباب في هذا الموسم والأخريات هو المعني بالنجاح عند تشرشل وكل الذين نجحوا في حياتهم، خاصة كانت أو عامة.. والمهم جداً في تصريح وكيل وزراعة الزراعة – والذي يستحق التوقف عنده والتحديق فيه – هو الإقرار بفشل التجربة بالجزيرة وحلفا .. فالإقرار بالفشل – جزئياً كان أو كلياً – غير مألوف في سوح العمل العام ببلادنا، فالمألوف للناس والصحف لحد الروتين الكئيب هو (التنطع والمراوغة)..!!
** نعم، أن يكون في القوم عقل رشيد يفكر وينفذ فكرته ثم يقول للناس والصحف بمنتهى الوضوح: (لقد فشلنا في كذا )، فهذا يستحق بأن يُوشح بكل أنواط الشجاعة وأوسمة الشفافية، ليس فقط تقديراً لعقله الراشد والمدرك لقيمة مواجهة النفس والناس بالحقيقة، بل لتتعلم منه العقول الأخرى فضيلة مواجهة أنفسهم والناس والبلد بالحقائق، إذ من تلك الفضيلة تنبع أنهار النجاح والنهضة، وخاصة أن الذي يقر بفشل تجربة ما أو بخطأ فكرة ما، بالتأكيد يعلم أسباب الخطأ والفشل.. ولذلك، لم يكن دعمي لتجربة زراعة القطن المحور وراثياً – لأول مرة بالبلاد – يتكئ على تخصص أو تكهن، بل كان ولا يزال يتكئ على (هي فكرة جديدة، فلتطرح ذاتها، لتجد التقييم)..وعليه : شكراً أيها الوكيل على شفافيتك، وفلتكن أسباب تجربة زراعة القطن المحور وراثياً بالسوكي والجزيرة في موسمنا هذا، سلماً نحو نجاحها في مواسم قادمة، فالحياة ليست موسماً، وكذلك ليست قطناً يا عالم ..أي( بادروا جميعاً )، لقد سئمت حياة الناس والبلد طرائق تفكير ( الإنسان الآلي)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]