الاغتراب , خيار ام خير
اكبر ضربة تعرضت لها مسيرة الاقتصاد السوداني انه اصبح يدار بعقلية نقدية (هذه من النقود) فاصبح كل شئ يحسب بالعائد المادي المباشر ولعل سياسة التحرير الاقتصادي التي بدأت منذ 1975 يوم ان قال صندوق النقد الدولي انه وجد في السودان حماسا يفوق حماس الصندوق نفسه لتطبيق سياساته المتمثلة في رفع الدعم ليس عن السلع الاستهلاكية بل عن التعليم والصحة ثم تعويم الجنيه وتخفيض العمالة والخصخصة فخلاصتها ان تقرأ الواقع الاقتصادي بمعيار النقد فقط هذه السياسة التي اعطاها عبد الرحيم حمدي دفعات قوية هي التي مكنت لجماعة النقود . لقد اصبح الذين يديرون الاقتصاد من وزارة مالية الى البنك المركزي كلهم (بانكرز) اي بتوع بنوك منهم من عمل مع البنك الدولي والصندوق او البنوك المحلية , كل وزارات القطاع الاقتصادي اصبحت تدار بواسطة هؤلاء البانكرز حتى وزارة الزراعة اصبحت تدار بعقلية نقدية (قروشية) بحتة تحصر في العاجلة وتنسى الآجلة
خطورة هذه العقلية النقدية على الوضع الاقتصادي تمثلت في عدة اشياء نذكر منها هنا اثنين الاول ان ريع البترول يوم ان كان سودانيا قبل ان يكون جنوبيا سودانيا ذهب للبنيات الاساسية من كهرباء وطرق وسدود واتصالات ولم يذهب للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني . نعم البلاد محتاجة للاثنين ولكن كان يجب ان تكون الاولوية للقطاع الذي يشمل 70 % من الشعب السوداني فالمزارع او الراعي ينفق ما يعود عليه لجهات اخرى كثيرة تشتغل معه بالزراعة فهو موزع بينما التركيز على البنيات الاساسية وحدها يفتح الباب للشركات وكبار التجار والكمويشنات والذي منه ثم ان التنمية الزراعية يمكن ان تأتي بالبنيات الاساسية ولنا في مشروع الجزيرة اسوة حسنه حيث انشأت الحكومة شركة النور( الهيئة القومية للكهرباء التي اصبحت الان عدة شركات ماعارف ليه؟) 1927 من اول اموال دخلت خزينتها من مشروع الجزيرة
اما الامر الثاني الذي دهورت ان لم نقل دمرت به العقلية النقدية القروشية الاقتصاد السوداني هو النظرة للاغتراب , لقد اصبحت سياسات البلاد تقوم على تشجيع الاغتراب لانه يعود بالعملة الصعبة على الخزينة العامة مباشرة وتحمل عبء معيشة الاهل متناسين الاستنزاف البشري الحاد الذي يحدثه الاغتراب وانه لاتنمية بدون عقول بشرية ، اثار الاغتراب على كافة اوضاع البلاد التي لها تماس مع الاقتصاد سلبا (وهو الاكثر) وايجابا قصة اخرى قد نعود اليها لاحقا
ان الاغتراب عندما بدأ في مطلع سبعينات القرن الماضي كان يقوم به بعض الطموحين وان شئت قل المغامرين الذين يريدون الخروج من الطبقة الوسطى اي البلاد لم تكن طاردة ولكن بلاد المهجر كانت جاذبة ثم اصبحت البلاد طاردة فكانت الهجرة بامتيازات اقل اما الان فبلادنا طاردة بامتياز وفي نفس الوقت الاغتراب لم يعد جاذبا فاصبح خيار ام خير لاهو خير ولا الموت اخير لقد اصبح هروبا من اجل لقمة العيش من بلاد هطلت فيها في هذا الخريف ما يفوق الاربعمائة مليار متر مكعب من الماء بلاد شمسها ساطعة وارضها سهلية (تتفهق بلا كبد الحق الناواى) كما وصفها شاعرنا العظيم الحاردلو . فعندما يقال ان الجوازات تصدر في اليوم ثلاثة الاف تاشيرة معظمها اساتذة جامعات واطباء تجد بتوع النقد مبسوطين للاخر ووزير الصحة الولائي يقول فليذهبوا لانه عندنا عطالة اطباء فكيف لاتكون عندك عطالة اطباء والجامعات الدولارية الخاصة تخرج في العام ثلاثة الاف طبيب؟!!!
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]