جعفر عباس

كيف صرت رشيقا


[JUSTIFY]
كيف صرت رشيقا

اشتركت ذات مرة في برنامج حواري حول قضايا السودان، في قناة بي بي سي العربية، وكان معي في الستوديو وزير الخارجية السوداني الأسبق الدكتور منصور خالد، وبعد انتهاء الحلقة تلقيت اتصالا هاتفيا من صديقي سلطان المفتاح الذي كان مدير الموارد البشرية في شركة اتصالات قطر (كيوتل) التي كنت أعمل بها قبل الانتقال الى تلفزيون بي بي سي: جعفر وش فيك؟ عسى ما شرّ؟ فسألته بدوري عما يجعله يفترض أن حالتي «كرب وبائسة» وأنني أعاني من علة ما؟ فقال إنه رآني على الشاشة ولم يستطع التعرف عليّ إلا من صوتي وطريقتي في الكلام، وعدت الى البيت وطلعت على الميزان واكتشفت أنني خلال نحو ثمانية أشهر فقدت نحو ١٤ كيلوجراما من سنامي الذي كوّنته في قطر، لأعيش عليه في شيخوختي إذا مد الله في أيامي.

لم أخسر تلك الكيلوجرامات بسبب سوء التغذية، فرغم سوء حالتي المادية بالنظر الى أن جماعة الضرائب كانوا يسطون على ربع راتبي الشهري، كانت لدي مدّخرات أتيت بها من الدوحة وأعتمد عليها لتوفير مستوى معقول من المعيشة لعيالي الأربعة الذين عاشوا مرفّهين نسبيا معظم سنوات عمرهم في قطر والإمارات، بل كانت تلك الخسارة ناجمة عن «الحركة»، فنمط الحياة في الدول الغربية عموما يتطلب منك أن تستخدم رجليك يوميا لقطع مسافات طويلة كي تنجز هذا الأمر أو ذاك.. وأتحدى كل من يعرفني أو لا يعرفني، لو وجد أو سمع شخصا يصفني بالكسل، فبحكم التنشئة فإنني لا أوكل مهمة استطيع القيام بها بنفسي إلى أحد.. ولست من نوع الآباء من فئة «يا ولد هات موية.. يا بنت جيبي القميص التركواز (قاتلني الله إن كنت أعرف ما هو التركواز)»، فأنا من جيل أرغمه النظام التعليمي السائد في السودان على العيش خارج بيت العائلة أي في محيط المدرسة في سكن داخلي وعمري نحو ١١ سنة، ومثل معظم أبناء وبنات جيلي فقد مارست غسل وكيّ الملابس وترقيعها وتثبيت «الزراير».. باختصار «الاعتماد على النفس»، وحتى بعد دخول الحياة العملية وقبل الزواج كنت أغسل وأكوي ملابسي بل أمارس بعض أنواع الطبخ السهلة.. وفي نفس الوقت فإنني لا أحب الانتظار والتلكؤ سواء في المطارات أو العيادات أو غيرها، وبالتالي، كنت في لندن أقطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، عوضا عن تضييع دقائق ثمينة في انتظار حافلة ما.

وأكثر ما أثار إعجابي بزوجتي خلال فترة إقامتنا في لندن، أنها كانت تمضي عدة ساعات مشيا على القدمين وخاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع مصطحبة العيال في جولات في أنحاء المدينة.. ولا أسألها إلى يومنا هذا «لماذا تتدلع في الدوحة والخرطوم» وتطالب بسيارة لأي مشوار مسافته أكثر من ٣٠٠ متر؟ فالطقس في السودان وقطر لا يسمح بالسير على القدمين مسافات طويلة، والشوارع في كلا البلدين كما هو الحال في معظم الدول العربية مصممة من دون أي اعتبار لوجود فئة اسمها «المشاة» أو فئة تحب المشي (في العاصمة السعودية الرياض شارع يسميه الناس شارع الحوامل، لأنه المكان الوحيد الذي تستطيع ان تمشي فيه الحامل لمسافة طويلة من دون ان تعترض طريقها سيارة، وشيئا فشيئا صار الشارع يجتذب الرجال الذي يريدون التخلص من «الحمل» الزائد).
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]