الطاهر ساتي

علم الردع …!!

علم الردع …!!
** خبر لذيذ جداً.. قريباً، يتم إيداع مسودة قانون مكافحة التسول بالخرطوم منضدة المجلس التشريعي للولاية، بحيث تصبح المسودة في المستقبل القريب قانوناً رادعاً يكافح التسول والمتسول..الخبر يشبه مشهداً كاركاتيرياً للفنان الرائع علي الدويد، وكان قد رسمه بإحدى الصحف قبل ثلاث سنوات تقريباً، إذ في المشهد مسؤول بالدولة يصرح للتلفاز قائلاً بالنص : (ونحسب أننا بنهاية هذا العام سوف نقضي على الفقر أو الفقراء)..وعلى ذات النسق قرأت خبر قانون مكافحة التسول المرتقب، بحيث تكهنته نصاً تحذيرياً فحواه : قريباً سوف نقضي على التسول أو المتسولين..علماً بأن القضاء على التسول ليس بالأمر السهل، بيد أن القضاء على المتسولين – وفق تلميح الدويد في شأن الفقراء – ليس بحاجة إلى عبقرية، إذ وسائل القضاء على المتسولين – وغير المتسولين – في بلادنا لاتحصى ولاتعد ..!!
** المهم، تفاجأت وزارة التوجيه والتنمية بتفشي ظاهرة التسول في طرقات العاصمة وأسواقها، ثم تفاجأت بأن العقوبة التي يعاقب بها المتسول غير رادعة ولاتتناسب مع جريمة التسول، ولذلك عقدت ورشاً تمخضت ثم ولدت تلك المسودة، وبالمسودة – حسب الخبر- نصوص رادعة للمحترفين..عفواً، لم يوضح الخبر ما قد يحدث للهواة، وكذلك لم يكشف للمارة والسيارة المعايير والمواصفات التي تميز المتسول المحترف عن المحترف الهاوي.. بالمناسبة، توضيح تلك المعايير والمواصفات مهم جداً، حتى لانواجه السائل – حين يمد قرعته – بسؤال من شاكلة (الأخ محترف ولاهاوي؟)، أو ربما ينص القانون المرتقب على تأسيس شركة حكومية توزع بطاقة تسول فحواها : ( حاملها متسول تحت التدريب، ويرجى من المارة والسيارة تقديم كافة المساعدات لتسهيل مهمته)..!!
** على كل حال، ياعزيزتي الخرطوم، إليك ما يلي بعيداً عن السخرية.. إلى وقت قريب، كانت مدينة حمص السورية تضج بالمتسولين، ولكنها اليوم – رغم آثار الثورة – تفتخر بأنها المدينة الوحيدة الخالية من كل مظاهر التسول في العالم..كيف تصدرت حمص قائمة المدن الخالية من التسول ؟..ليس بالقانون الرادع أو كما تفعلين أيتها الخرطوم .. بل بشيءٍ مسمى عند الآخرين بالتخطيط السليم، ثم بشيءٍ آخر مهم جداً مسمى بالتنفيذ الجيد..لقد قسم الحكماء هناك مدينتهم إلى قطاعات، وأسسوا في كل قطاع سلطة نشطة مهمتها رصد المتسولين ثم جمع معلوماتهم وتفاصيل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.. !!
** تلك السلطة، وجدت البعض فقراء وبحاجة إلى لقمة العيش، فأحالت حاله إلى صناديق الرعاية الاجتماعية، لتلزم بمأكله ومشربه وعلاجه بالدعم المباشر إن كان عاجزاً عن العمل، أو بتدريبه على وسائل إنتاج ثم تمليكه لتلك الوسائل إن كان قادراً على العمل..ثم وجدت البعض الآخر ليس بحاجة إلى التسول ولكنه فاقد تعليمي ويجهل مضار التسول، فأحالت حال هذه الفئة إلى دور التربية والتعليم والإرشاد، لتقويم السلوك..ثم وجدت أجانباً بلا عطاء، فاعادتهم إلى أوطناهم..وكل هذا تم بتلاقح أفكار الخبراء مع إرادة السلطات، ثم بصدقهم جميعاً في تنفيذ الأشياء أعلاها (إحصاء، دراسة، خطة)..بذاك النهج تربعت حمص على صدارة قائمة (مدن بلا تسول)، وبذات النهج حولت المتسول إلى منتج..أي بالرهان على مكافحة فقرهم وجهلهم، قبل الرهان على القانون الرادع ..عذراً سادة الخرطوم ، كدت أنسى بأن ردع المتسول – وغير المتسول – ليس بحاجة إلى ذكاء، وعليه : (أردعوا ساااكت )..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]