رأي ومقالات

أحزاب وحركات مسلحة على خطي الدستور الدائم


[JUSTIFY]تنشأ الحاجة لإقرار دستور دائم للبلاد من أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي نعيشها الآن، تفرز تبعا لتغيراتها غير المحددة بالتحكم أو بإمكان السيطرة عليها، نتائجها الصعبة على مستقبل الممارسة السياسية العامة في المرحلة المقبلة.
بإعتبار أن التأجيل والتسويف والمماطلة من قبل الأطراف المعنية بكتابة دستور جديد للبلاد، كبديل لدستور 2005م الذي ذهب بذهاب الجنوب للإنفصال، مسألة تأمينية غاية في الأهمية ولاسيما أن التطورات الأمنية فيها أخذت حيزاً أكبر كثيراً من السابق.
وبإرتفاع سقف المطالب السياسية من قبل بعض قادة حركات التمرد في الآونة الأخيرة، ينتقل النقاش حول مستقبل الدولة التاريخية في السودان، والتي وصلت التنظيرات المحسوبة حولها إلى التفكير الجدي في إلغائها لتقوم على أنقاضها دولة جديدة.
قد يدرك المرء بفطرته فقط أن عملية إلغاء دولة تاريخية لا يعدو كونه مناورة أو محاولة استباقية لقياس مدي المرونة في تصورات سابقة، كان البعض يشدد على أن المواطنة هي شرط الدستور الرئيس ولا ضير في ذلك، وما جاء بهذا الشرط تحديداً هو ذلك الجانب الاجتماعي في الخارطة السياسة للبلاد ومعضلة التمثيل النسبي لاقاليمه وأعراقه المختلفة.

وتكشف هذه التصورات مدي حاجة الدولة لاستصحاب نتائج المفاوضات المراثونية التي دارت بينها وبين عدد من الحركات المتمردة في مراحل مختلفة وآخرها كانت المفاوضات مع قطاع الشمال، في أن يعاد النظر في التمثيل السياسي.

كما أنه من الواجب في هذا السياق، التطرق لضبابية وموسوعية هذا التمثيل من الناحية السياسية، لان الإختلاف بين الحكومة وحركات التمرد حوله لم يكن في رفضه أو قبوله، وإنما في الإجابة عن سؤال: من سيمثل من هنا أو هناك؟!.

لنستخلص، أن الصعوبات التي تواجه إنشاء وكتابة دستور دائم لهذا البلد، تختبئ في على التمثيل في هذه، لكي لا يرجح أحد (مزاجياً) فرضية أن هنالك خللاً في علاقات الدولة بأقاليمها الطرفية سببه (تغييبها) عن مواقع السلطة والثروة.

وحديث الرئيس البشير عن (عدم التفاوض مرة أخرى) حول قسمة للسلطة والثروة في السودان، يأتي على خلفية أن معايير (الإحتجاج والمرافعة) السياسية بالإنابة عمن يسميهم البعض بأبناء الهامش تجاوزت الموضوعي إلى الذاتي تماماً.

لا تخسر البعض الدولة جراء استمرار الصراعات المسلحة داخلها فحسب وإنما تجعل منها (دولة فاشلة) على المدى الطويل، وجدلية الجزء والكل التي يترافع من خلالها بعض قادة حركات التمرد ترتد في الحساب النهائي عليهم في حالة التطبيق.

كيف تمثل حركة التمرد ذات الاتجاه الأيدلوجي (إثنيات وعرقيات) مختلفة ومتنوعة (عقائدياً وثقافياً) من خلال المطالبة بمنحها صلاحيات القيام بإدارة سلطات إقليمية منفصلة عن المركز بموجهات محددة وبلا سقف تنتهي فيه سلطاتها؟!

المجتمع المدني والروابط الاجتماعية بين عناصره الثقافية والقبلية والتنظيمية المختلفة، يضيف إلى الدولة التاريخية إمكان التفاوض من زاوية النظر للمصلحة العليا في تطوير ودعم الفيدرالية وتقويم تجربتها لتنعدل معايير التمثيل الجهوى.

والدستور الذي لا يراعي خصوصيات هذه المجموعات الإثنية في دوائرها الثقافية المختلفة يغرق في (شبر ماء) التعريفات الأيدلوجية الملتبسة للهوية، ويتمحور بشكل (معيب) حول مناطق ومجموعات سكانية بعينها بالمركز والولايات.

عقود من العمليات العسكرية بالضد من حركات التجزئة والانفصال في هذا البلد، تكون كافية لأن يدرك المعنيون بضرورة كتابة دستور وطني أن سر إستدامته يكمن في استجابته لمطلب (التمثيل الفعلي) والمتعدي لأبناء البلد كافة.

وهذه الاستجابة محكومة بمشاركة القوى السياسية في البلاد من خلال تداول عميق وسلس لمفردات الخطاب القانوني الذي ينظم علاقات المجموعات السكانية في الدولة التاريخية بالسودان مع السلطة مع مراعاة المواكبة والجدة في المرحلة.

من المؤكد، في حال تعنت المعارضة في الخرطوم في مسألة المساهمة في كتابة الدستور، أن يخرج هذا الدستور كيفما اتفق وتكون ملزمة بدخول الانتخابات على أساس قانون يستمد منه روحه، وتضيع فرصة ذهبية في التوافق السياسي.

ومتى ما أدرك السياسي أن المسألة الدستورية العليا في تضمين مفاهيم متقدمة عن الحريات وكيفيات تداول السلطة بالمركز والولايات والفترات الزمنية التي تحكمها، ترتبط بمدى إسهامه الفاعل في (المسودة الدستورية) يكون قد قارب نقطة الانطلاق، لان القيد الوهمي الذي يكبل حركة السياسة والساة في السودان ناشئ عن العجز والتردد في سلوك طريق المسؤولية الفردية تجاه وجهة النظر الحزبية، وبما أن الحزب المعين يملك برنامجاً وأجندة سياسية فإنه يملك قطعاً (مسودته الخاصة).

ليكون عادلاً ومقبولاً في حق هذا الشعب الذي سئم النزاعات المسلحة والسياسية الطويلة في هذا البلد، نأمل أن نقرأ (مسودات دستورية) متنوعة ومختلفة، تلتقي جميعها في أن السلطة متاحة عبر صناديق اللإقتراع والبرامج بدلاً من البندقية.

صحيفة الصحافة
محمد المجمر
ع.ش[/JUSTIFY]