جعفر عباس

موسم الهجرة إلى «المجلة»


[JUSTIFY]
موسم الهجرة إلى «المجلة»

أصبحت أكتب عمودا أسبوعيا في جريدة القدس العربي، وتلاسنت في ذات مقال مع شخص في السفارة المصرية يحمل لقب مستشار الشؤون الإعلامية والثقافية، لم يعجبه استنكاري اهتمام الصحف بوجود فيفي عبده في لندن، فقد دافع الرجل بلغة فجّة عن الرقص الشرقي وفيفي، وقال إنني لا أملك المؤهلات للخوض في المجال «الفني»، وفي ردّي عليه قلت إنه نكرة ومن الواضح أنه فاز بالمنصب بالواسطة، لأن بمصر فرسانا للقلم والفهم والعلم أجدر منه ومن اللي عيّنوه بمثل ذلك المنصب وما هو أعلى منه، وتلقيت اتصالا هاتفيا من شخص بدأ كلامه بـ«الله يخزي شيطانك يا جعفر بن عنتر! وش اللي سويته في المستشار المسكين؟ وكان ذلك الشخص هو الدكتور غازي القصيبي رحمه الله وكان وقتها سفير السعودية في لندن، وأضاف انه يقرأ لي بانتظام، رغم عدم حبه لجريدة القدس وصاحبها عبدالباري عطوان».

ثم توقف تلفزيون بي بي سي العربي عن الإرسال، بعد خلاف بينه وبين الشركة التي كانت تموله بنظام «أنتم تعدون المادة ونحن نتولى البث نظير مبلغ معلوم»، وعدت الى العمل في شركة اتصالات قطر (كيوتل)، وذات يوم هاتفني شخص يدعى عبدالعزيز الخميس، لم أكن قد سمعت به من قبل، وقال لي إنه تولى رئاسة تحرير مجلة المجلة خلفا للأستاذ عبدالرحمن الراشد الذي انتقل الى رئاسة تحرير جريدة الشرق الأوسط، وطلب مني أن أكتب في «المجلة» مقالا أسبوعيا، ورحبت بالعرض بلا تردد، فقد كانت المجلة واسعة الانتشار عن جدارة لحسنها شكلا ومحتوى، وكانت المفاجأة قول الخميس: بصراحة من لفت انتباهي إليك وحثّني على استكتابك هو غازي القصيبي… ثم دخلنا في موضوع المكافأة نظير كل مقال فذكر رقما، جعلني أحسب أنه «يهزر»، لأنه كان يعني أن أكسب في شهر واحد من الكتابة في المجلة ما يعادل راتبي الشهري في كيوتل، فقلت من باب المداعبة ما معناه إنني «لست رخيصا» بدرجة أن أقبل بمثل تلك المكافأة الهزيلة، فإذا بالخميس يقول: لو زدتك أكثر من ٥٠ إسترلينيا على هذا العرض سيسبب لي مشاكل مع بقية كتّاب المجلة.. أدركت ان الرجل لا يهزر وخشيت أن «يغير رأيه» فقلت له: أنا معكم من باكر، فقال: أمامك ثلاثة أيام لتوافينا بمقالك الأول.

وهكذا انتقلت «الزاوية الحادة» التي ولدت على صفحات مجلة المشاهد إلى مجلة المجلة، وتزامن ذلك مع توقف الروائي الكبير الراحل الطيب صالح عن الكتابة في المجلة، فسرت شائعات بأنه تم استبعاده لإفساح المجال أمامي، ومثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن السذج، فما كان واردا ان تفاضل المجلة بيني وبين أشهر أعلام الرواية العربية، كما أنه لا كاتب يحلّ مكان آخر في عمود يحمل اسما اختاره ذلك الآخر، وكل ما هناك هو ان الطيب صالح كان قد ملّ الكتابة الصحفية وأراد التفرغ لأعمال كبيرة، كان من بينها ذلك الكتاب اللطيف الظريف «المنسي»… وكانت لي في المجلة مناكفات حلوة مع الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي التي كانت تشكّك في قواي العقلية، والكاتبة الأديبة الناقدة السعودية المبدعة والغاضبة لطيفة الشعلان… وكنت أرسل مقالاتي الى المجلة بالفاكس، ولكن رئيس تحريرها عبدالعزيز الخميس سألني ما إذا كنت أعرف شيئا اسمه الإيميل، وكنت أعرفه كوسيلة لتبادل الرسائل، ولكنه شرح لي كيفية ارفاق المقال كمستند (أتشاتشمنت) وإرساله الى المجلة خلال ثوان، وهكذا مثلت المجلة في حياتي طفرة مالية وتكنولوجية.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]