الطاهر ساتي

صُناع العداء …!!

صُناع العداء …!!
قدرة العقل على فهم أمور الحياة ثم التعامل مع كل الأمور تعاملاً إيجابياً، بحيث ينفع الناس والحياة أو يرفع عنهما الضرر، هي المسماة – اصطلاحاً – بالذكاء..أما قدرة العقل على فهم أمور الحياة ثم التعامل مع تلك الأمور بالمراوغة، بحيث لاينفع الناس والحياة أو يجلب لهما المزيد من الضرر، هي المسماة – اصطلاحاً – بالدهاء..نعم، فالذكي يعالج الأزمة بحسن التدبير، بيد أن الداهية يراوغها بسوء التقدير.. ولذلك، كان ولا يزال وسيظل- وصف عقل ما بأنه ذكي يأتي في مقامات المدح، ولكن وصف ذات العقل أوعقله بأنه داهية يأتي مقامات الذم بما يشبه المدح..وخير للراعي أن يكون ذكياً في التعامل مع أمور رعيته، أي يتعامل مع تلك الأمور تعاملاً إيجابياً ينفع تلك الرعية أو يرفع عنها الضرر.. وليس من حسن القيادة أن يكون مراوغاً، أي غير نافع إلا في جلب المزيد من الكوارث..هذه محض خاطرة، وعلى مسؤولية قارئها لو قرنها بما يلي ..!!

** فلنقرأ تصريح رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان : (لاتوجد حصانة مطلقة لأفراد الشرطة تمنع مساءلتهم جنائياً عند تجاوزهم للقانون، ورفعنا الحصانة عن أفراد شرطة برتب مختلفة وقدمناهم للمحاكمة بعد تورطهم في أحداث نيالا)، هكذا النص ..حسناً، لاتوجد حصانة مطلقة لأي عامل في العمل العام، سياسياً كان أو شرطياً، وهذا معلوم للناس جميعاً..ولكن، ما ليس بمعلوم لكل الناس، ويرغب رئيس لجنة العدل والتشريع في مراوغة الواقع – بحيث يظل ذاك الكل على غير علم – هو لم يتم رفع الحصانة عن أي فرد من أفراد الشرطة بنيالا حتى هذه اللحظة (السابعة مساء الثلاثاء)..ناهيك عن نيالا، بل لم يتم رفع الحصانة عن أي شرطي بجنوب دارفور طولاً وعرضاً..وما لم يكن قد تحدث عن أحداث أخرى غير أحداث نيالا، أو نيالا أخرى غير نيالا السودانية، أوعن شرطة أخرى غير شرطة نيالا وكل جنوب دارفور، فلتمد لجنة العدل والتشريع الصحف بأسماء ورتب وعدد أفراد الشرطة الذين تم رفع الحصانة عنهم، وكذلك فلتمدها برقم البلاغ المدون ضد أفراد الشرطة وباسم وكيل النيابة الذي تحرى معهم بعد رفع الحصانة عنهم، ثم باسم القاضي الذي هم يمثلون أمامه حالياً.. ولن يستطيع أن يمد الصحف بكل هذا، ولا بجزء من هذا، لأن معلوماته – للأسف – غير دقيقة .. والحقائق كثيرة، وغير غائبة عن لجنة العدل والتشريع، ولكن ليس من بينها (رفع الحصانة عن أفراد شرطة وتقديمهم للمحاكمة)، هذه لا تمت إلى الحقائق بأدنى صلة..كان المطلوب من لجنة العدل والتشريع – لأجل إصلاح حياة الناس والبلد – توضيح الحقائق كماهي ..والصمت في بعض المقامات ذكاء ..!!

** كان ذاك شطراً من تصريح رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان..أما الشطر الآخر : (سوف تقرر اللجنة في شأن أحداث شرق النيل، وربما يتم استدعاء وزير الداخلية أو مدير عام الشرطة، وسوف نتعامل بشكل رسمي مع القضية)، هكذا النص، أو فلنقل هكذا يراوغ البرلمان الواقع والوقائع.. أحداث شرق النيل التي أسفرت عن موت مواطن، له الرحمة والمغفرة، وإصابة بعض أفراد الشرطة، شفاهم الله، كانت حول إخلاء قطع أراضي بمحلية شرق النيل بأمر والي الخرطوم وبإشراف معتمد شرق النيل .. نعم، بأمر الوالي وإشراف المعتمد، وليس بأمر وزير الداخلية ولا بإشراف مدير عام الشرطة.. وعليه، بكل وضوح : سادة حكومة الخرطوم ومحلية شرق النيل، هم الذين يتحملون مسؤولية أحداث شرق النيل، وذلك باستغلالهم للنص الدستوري (ولائية الشرطة) استغلالاً غير حميد..الساسة هم الذين يصنعون العداء ما بين الشرطي والمواطن، وما حدث بشرق النيل نموذج فقط لاغير.. فالأفضل للمواطن والشرطي – ما لم يكن الدهاء نهجاً برلمانياً – هو مساءلة ومحاسبة (صناع العداء)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]