جعفر عباس

ولعنت خاش سلمان رشدي

[JUSTIFY]
ولعنت خاش سلمان رشدي

من مكاسب العيش في لندن خلال الفترة التي عملت فيها في بي بي سي، أنني قرأت عشرات الكتب الممنوعة في العالم العربي، أو التي من النوعية التي لا تهتم بها المكتبات العربية أصلا، إما لأنها بالإنجليزية أو لأن محتواها لن يجد رواجا بين جماهير السح الدح أمبو والواوا، وكان أول كتاب سعيت للحصول عليه هو رواية «آيات شيطانية» للكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي (بالمناسبة فإن الراء في اسمه بالفتحة، وليس بالضم، ربما لأنه يريد أن ينأى بنفسه عن الرُّشد).. وكان حرصي على اقتناء ذلك الكتاب يعود الى عدة أسباب، من بينها أنني اكتشفت أن جميع من سمعتهم يشتمون الكاتب وتلك الرواية، لم يقرؤوا منها سطرا واحدا، بل شتموه لأن هناك ثقاة قالوا إنه «تمسخر» فيها على الإسلام والقرآن الكريم، وكنت شديد الإعجاب بسلمان رشدي منذ أن قرأت روايته «أطفال منتصف الليل/ مِدنايتس تشيلدرين»، استمتعت بتلك الرواية بدرجة أنني زوغت من العمل بإجازة «عارضة» لأنني ظللت في حالة لهفة لمعرفة مآلات شخوص الرواية ومسارات خطوطها، وفرغت من قراءتها رغم ضخامتها في أقل من ٤٨ ساعة.

وبدأت في قراءة «آيات شيطانية» بـ«نية صافية» أي من دون الوقوع تحت تأثير ما تردد حولها من شتائم، وصلت الى حد إهدار دمه من قبل الفقيه الإيراني الأشهر آية الله الخميني.. وقرأت منه نحو خمسين صفحة في «قعدة واحدة»، ولكنني لم أجد أي عنصر تشويق يحثّني على المتابعة، فوضعته جانبا الى حين من الزمان، ثم واصلت قراءتها، وبعد أن تجاوزت المائة صفحة منه، كنت قد «قرفت».. كان سبب القرف هو أن الرواية كانت فاشلة وساقطة فنّيا، ولأنه كان الواضح أن المؤلف أراد أن ينال من كتاب الله والسيدة عائشة والإسلام بصفة عامة، بأسلوب فجّ، لا أثر فيه حتى لفهلوة الكاتب المبتدئ، ولولا فتوى الخميني بإباحة دمه لما باع منه أكثر من خمسين نسخة، وحتى هذا العدد المحدود من النسخ كان سيجد مشترين استنادا الى كونه صاحب رواية «أطفال منتصف الليل» الفائزة بجائزة بوكر، ولكن الفتوى أثارت غضب الغربيين الذين دفعهم حب الاستطلاع الى شراء مئات الآلاف من تلك الرواية الساقطة فنيا، ويكفي أنه ما من ناقد أدبي غربي «عليه القيمة» إلاّ ولعن خاش الرواية بل إن معظمهم قال إنها تفتقر الى عناصر الرواية، واكتفوا بإهدار حبره «بدلا من دمه»، وعانى رشدي كثيرا للترويج لروايته التالية «تنهيدة المغربي الأخيرة/ ذا مورز لاست ساي».

واستمتعت بالطبع بقراءة الصحف البريطانية بانتظام، ولكن وكما شاعرنا البحتري: صنت نفسي عما يدنس نفسي، وترفعت عن قراءة الصحف الصفراء التي تتمتع برواج أكثر من الصحف الرصينة، مع أن كل موادها عن الممثلة فلانة التي شوهدت سكرانة، وعن لاعب الكرة الذي تربطه علاقة بزوجة زميله في الفريق، والمطرب الذي تحرش برجل في دورة مياه.. طالما هذه الأشياء ليست عيبا او حراما في نظركم فلماذا تفلقوننا بها كل يوم يا أبناء قراد البوم؟
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]