القطط واللصوص سيم سيم
أحسست براحة البال فور ملامسة قدمي أرض مطار الدوحة، ومن عادتي أن أدعو لمن أحب – في المناسبات الدينية والخاصة – أن يهبهم الله «راحة البال»، لأنها هبة تعني الرضا بالكثير أو القليل، وتعني الخلو من الهموم، وتلك أكبر النعم، وكان مرد الإحساس براحة البال هو أنني وصلت إلى مدينة تعرفني وأعرفها، ولي فيها أهل وأصحاب ومآرب أخرى طيبة، والأهم من كل ذلك أنني لن أسمع فيها نقنقة زوجتي، التي لم يمر عليها يوم في لندن من دون ان تدعو بـ«حريقة تحرقها» وتمحوها من الأطلس.. وضيقها بلندن كان مثار عجب صديقات يعشن هناك ويعتقدن أنه ليس في الإمكان أروع مما كان، ولكنني – وعن تجربة ومعايشة – أعرف أن أي عائلة هاجرت الى دولة غربية انطلاقا من دولة خليجية ندمت وسفّت التراب، فمهما كان دخلك المالي متدنيا في الخليج فإنك تعيش مبحبحا مقارنة برصفائك في مدينة مثل لندن.. تستطيع ان تعيش على التونا والسردين والفول المعلب، والخبز هو أرخص سلعة ثمنا في أسواق الخليج، وقد عاشت زوجتي حينا طويلا من الدهر في قطر، مبحبحة و«متونسة» (مع الأخذ في الاعتبار ان المكالمات المحلية من الهواتف الأرضية مجانية في قطر)، وتتصل بالسيد البعل: وانت راجع من الشغل جيب معاك عشرة كيلو ضاني وصندوق عنب وسبع دجاجات طازة!! ثم وجدت نفسها في لندن تهاتف نفس البعل: جيب معاك نص رطل لحم مجمد، وجناحين دجاج وستة أصابع موز.
وكان هناك مع الوصول الى الدوحة الإحساس بالأمان، فليس على سيدة أن تمشي في شوارعها، وهي ممسكة بحقيبتها بكلتا يديها خوفا من ان ينتزعها منها أحد المارة كما يحدث كل ساعة في لندن، والآلاف ممن يعيشون في الدوحة لا يعبأون بإغلاق الأبواب الأمامية لبيوتهم ليلا او نهارا.. وبالمقابل فإنني كرهت قطط لندن، فهناك أصلا عداء بيني وبين القطط، وبصراحة فإنني أفضل مشاهدة فيلم كامل لفاروق الفيشاوي على رؤية قطة في فناء بيتي ليلا، وليس من عادتي إخافة القطط لتبتعد عن طريقي، لأنها هي التي تخيفني بعيونها الزجاجية، وفي لندن هناك قطط في حجم الأرانب البرية هوايتها التجول ليلا من بيت الى بيت، وقلة قليلة من البيوت في لندن هي التي ليس في أبوابها الخلفية المطلة على الحديقة فتحة تسمح بمرور القطط تسمى (كات فلاب)، ولأن ما يمسى «نيبرهود ووتش» – وهي منظمات أهلية يشكلها سكان كل حي لمراقبة اللصوص وشذاذ الآفاق – لا تقصر في ترويعك بأخبار الاقتحامات العنيفة التي تعرضت لها بيوت جيرانك، فإنك لا تنعم بنوم هادئ متواصل في لندن ليلا أو نهارا، ومع الهدوء الليلي بالذات تصبح أي جلبة أو كركبة كهزيم الرعد، ويا ما قطعت نومي مذعورا في ليالٍ ليلاء لأن أصواتا صدرت من الطابق الأرضي للبيت، فأوقد مصابيح الممرات لإعطاء مصدر الصوت «إشارة» بأن هناك من أحس بوجوده، ولا أجد في نفسي الشجاعة للنزول الى ذلك الطابق لتفقد الأمر لأنه لو كان لصا فسيهرب أو يطخني، ولو كان قطا فسأهرب أنا (يعني «في الحالتين أنا الضائع» كما يقول المطرب السوداني كمال ترباس).
في الدوحة لا تسمع بلصوص المنازل، ولكن – أجارك الله – فيها قطط، تجعلني أتمنى لو أن الفلبينيين كانوا يأكلون لحومها بدلا من لحوم الكلاب، قطط لم تسمع بالرجيم ولا تستطيع الجري حتى لو رميتها بالحجارة، ولكن ما يميز قطط الدوحة عن قطط لندن أنها لا تدخل غرف البيوت، وتكتفي بالتجول في أفنيتها.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]