أزهري التيجاني.. ليلة غضب..بعد الهواء الساخن هل احترقت مراكب العودة للتيجاني؟
وعلى إثر براءة د. أزهري صرح بأن ما تعرض له يقع في باب الكيد السياسي، علمًا بأن الاتهام انبثق من تقرير المراجع العام، ولعل هذا الدفع ليس د. التيجاني هو الوحيد الذي ساقه، فهناك الكثيرون قالوه وإن اختلف الأسلوب ففي حين توجهت بعض الاتهامات في وقت سابق الوسائط الإعلامية ضد د. معتصم عبد الرحيم وزير التربية والتعليم اعتبر أن الاتهام محاولة لجعله كبش فداء لكنه توعد بالمقاومة ومهدداً عبر حوار أجرته «الإنتباهة» لم ينشر لأسباب معينة قال: «يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم فقد جاءكم سليمان»، ونحن هنا لسنا في موقف إدانة لأزهري التيجاني لكننا أردنا أن نقول إن خطابات الدفاع عن النفس لدى الكثير من السياسيين والتنفيذيين عند توجيه الاتهامات لهم تكتنفه عوامل مشتركة تتمثل في الاتكاء على عوامل الكيد السياسي والصراعات الداخلية في الحزب الحاكم المتمثلة في تصفية الحسابات، ولا شك أن خطوة المحاكمة غير المتوقعة كما وصفتها في مقال سابق لا يمكن فصلها عن العديد من التداعيات في الساحة السياسية والرأى الجمعي للجماهير التي كانت ترمق بغلق مظاهر التعدي على المال العام بصورة غير مسبوقة والتي بلورتها الصحافة عبر العديد من مقالات الرأي والاستطلاعات والحوارات وربما الهمسات الطريفة أو الساخرة إضافة إلى حديث السياسيين بصرف النظر عن شبهة المزايدة والغرض الذي يكتنفه فضلاً عن حديث الشارع العام عبر اللقاءات العفوية في المركبات العامة أو المناسبات الاجتماعية المختلفة أو أحاديث المنتديات عبر الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» لكن لعل التيار المؤثر الذي طفقت الحكومة تهتم به وتعطيه مساحة ما من الإصغاء ومحاولة تجنب مآلاته هو رأي المجموعات الإسلامية بتياراتها المختلفة خاصة التيارات المرتبطة بالحركة الإسلامية إذ أن هذه التيارات تمثل الأرضية والسند و«درقة» الصد عند المحن لنظام الحكم عند الشدائد أو على الأقل عند صدامه بالقوي العلمانية وذلك رغم اعتماد الحكومة عادة على أساليب وتكتيكات تلجأ إليها لكبح أو التقليل من قوة الرياح والعواصف التي تأتي من قبل تيارات سياسية أو دينية وهي تكتيكات لم تثبث نجاحها بمعيار النظرة الكلية والإستراتيجية لكنها تبدو ناجعة من واقع المرحلة الوقتية أذ أن تلك المعالجات البرجماتية تخلف عادة دخانًا عالقًا قد لا يلوث الأجواء مباشرة لكنه يظل يتراكم كما الأبخرة السامة والمدمرة في وقت ما لا محالة عند اكتمال الشروط الملائمة لتفريخه وتكاثره وانتشاره، ربما لأن الحكومة اتكأت على تلك الحلول الطارئة وفق فقه الضرورات فلعلها لم تقم بما يكفي من سرعة الفعل والتجاوب إزاء كل هذه التململات وتلك الآراء الصارخة بما فيها أصوات مجموعة «السائحون» وأصلاحيي الوطني بقيادة د. غازي صلاح الدين تلك الاحتجاجات التي ظنت أو ظن معها العديد من المراقبين والمحللين أن مذكراتهم الناصحة المتعلقة بحركة الإصلاح السياسي أو الاقتصادي ستواجه بسرعة التفاعل الإيجابي باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من التركيبة التنظيمية للحركة الإسلامية التي ينتمي إليها جل أفراد الحكومة كما أنها هي الذراع الجهادي الشعبي المساند لهم، لكن المفاجأة أن رد الفعل اتسم بشيء من البرود والآراء المتناقضة فتارة مرحبة وأخرى متحفظة أو رافضة وربما متوعدة، لكن مع ذلك فبالرغم من سلبية ردود الفعل السلطوية إزاء الآراء الناقدة أو الناصحة في كثير من الأحيان بما فيها رموز بارزة وتيارات إسلامية أخرى لكنها مع ذلك ربما كانت تدرك الحكومة أنها مهما لاذت بمصدّات التكتيك المرحلية وخطاب الدفع السياسي والإعلامي فإنها لا يمكن أبداً أن يحقق لها التوافق السياسي والسلام الاجتماعي المنشود وإن بدت مظهرياً أنها تكسب الجولة بقرنيها البارزين أو المخفيين، سيما في ظل الواقع الاقتصادي والأمني المرتبط بتداعيات النزاع المسلح من قبل الحركات المتمردة ورياح الربيع العربي في المنطقة والضغوط الدولية المتزايدة.
ويرى كثيرٌ من المراقبين أن من أبرز المآخذ على النظام هو الإعلاء من قيمة الكاريزما لدى الشخصيات الحاكمة أو التنظيمية أو الموالية بحيث أضحت إزاحتها من مرجيحة المشاركة السلطوية أو الوظيفية التنفيذية أمرًا يبدو نشازا ونادراً ما يتحقق، وهو أمر ساعد على ما يُعرف بفقه السترة والتجاوز في حالة الإخفاق أو ضعف الذمة المالية أو الأخلاقية أحياناً، باعتبار أن المحاسبة قد تعطي مبرراً لأعداء النظام للقدح فيه كما أنها قد ترمي بقدر من البثور في وجهه الإسلامي بالرغم من أن البداهة تشير أن الشفافية في محاسبة الرموز خاصة البارزين تعطي قدراً من الثقة في النظام الحاكم وتتسق تماماً مع خطابه السياسي والفكري الذي يعتمد على المرجعية الدينية وتتواءم مع ثوابت الإسلام الداعية لتطبيق العدل بين الناس وانتهاج النهج الرباني وسنة نبيه والتي كلها تفضي بالطبع إلى تحقيق رضا الله ونصرته وتثبيت دعائم الحكم دون اللجوء إلى تكتيكات وحيل مستلفة من واقع يتقاطع مع المرجعيات والثوابت، وعطفًا على ما سبق ذكره فإن محاكمة الأستاذ أزهري التيجاني وزير الأوقاف السابق تعتبر خطوة مبشرة وإيجابية في طريق الإصلاح والشفافية نحو تأسيس الحكم الراشد، خاصة أن الخطوة جاءت في ظل التعدي الكبير والمتزايد على المال العام وهو ما تشير ملامحه تقارير المراجع العام في الفترة من 1 ــ 9 ــ 2012 إلى 31 ــ 8 ــ 2013 على المستوى القومي والولائي حيث شكلت التجاوزات نسبة زيادة عن العام الماضي بمبلغ «32» مليون جنيه، وكشف المراجع العام عن امتناع ست وحدات حكومية عن المراجعة منها شركة كنانة، وأشار إلى إن خمسين وحدة لم تقدم حساباتها الختامية، وأشار إلى استمرار مسلسل التجنيب، وقال إن المبالغ المجنبة في العام «2012» على المستوى القومي والولائي بلغت «4 ــ 284» مليون جنيه و«1 ــ 12» مليون دولار و«4 ــ 134» ألف يورو.
بيد أن محاكمة أزهري التيجاني إيجابية لكن ربما تظل مجرد بالون ومسكن مؤقت إن لم تعقبها خطوات مماثلة في ظل أجواء من الشفافية والمجردة والبعد عن الموازنات السياسية وتحقيق سيادة القانون فإن ذلك فضلاً عن أنه يقدح في مصداقية الحكومة فهو سيشجع الفاسدين على ارتكاب التجاوزات وسيعمل على تشجيع الذين تخطتهم المحاسبة بالمضي قدماً في مسيرة القرصنة المالية.
ليلة غضب
ولم تمر عدة أيام على حكم براءة د. أزهري التيجاني حين توجه إلى بلده الصغير قليصة بمحلية أبوزبد حيث شهد احتفالاً أقامه عدد كبير من أهالي المنطقة وخاطب التيجاني الحضور مؤكداً أرتباطه بالمنطقة كادحًا عاملاً في الحقول وراعياً للغنم ومؤكداً أنه بعيد عن أكل الحرام حتى دمعت عيناه معلناً اعتزاله العمل السياسي والتفرغ لقضايا المجتمع التنموية والخدمية، وتحدث د. أزهري عن الصراعات على الكراسي الوزارية والتي هي خصم على قضايا الجماهير، وقال «كفى 60 عاماً من الصراع على قمة الهرم وتبادل المراكز، وقال إن الله سيسأل السياسيين عن من أضعف وأضاع ثروات الشعب ثم قال بلهجة لا تخلو من الحدة «إن هناك نموذجاً واحداً منذ الإستقلال أقعد البلاد كثيراً وأعاق تطورها وإنهم في الإنقاذ لأكثر من 23 عاماً ظلوا في تطور إلا أنهم في العام 24 انتهوا من الاقتصاد والتعليم والصحة وهذا يعود لتسييس الخطط والبرامج والأهداف منتقداً إجراء الإنتخابات القادمة متسائلاً «ما ذا استفدنا من الانتخابات الماضية حتى نتحدث عن القادمة»، وقال: «دخلناها بأحزاب بسيطة وخرجنا باثنين وسبعين حزبًا»، وأشار إلى أن الانتخابات مبينة على الاستقطاب السياسي والمصالح الشخصية»، وبالرغم أن ما قاله د. أزهري التيجاني ربما لا يختلف فيه الكثيرون لكن لعل اللافت هنا في النقد الصريح والساخن جداً الذي وجهه هناك أنه لم يحدث أنه وجهه من قبل بل حتى جزءًا يسيرًا منه وإن كان مخففاً عندما كان في سدة الوزارة وهو أمر يعيد إلى الأذهان أحاديث كثير من السياسيين عندما تطيحهم مرجيحة الحكم أو عندما يتعرضون لشيء من الاتهامات من قبل منظومة الحكم، بيد أن ذلك عادة لا يحدث إلا عندما يتأكد أن مراكب العودة قد حُرقت كما أن المؤتمر الوطني لا يُقدم عادة على هذه المواقف إما بدواعي الضغط أو إعفاد لا تعقبه رجعة للمسؤول.
لكن من يدري فإن الزمن ربما يجُب الكثير كما جب ما فعله متمردو السلاح رغم سيل الدماء التي أسالوها دون أن يطرف لهم جفن وفق التسويات والاتفاقات، وربما عاد أزهري التيجاني إلى ساحة الحكم من جديد رغم البخار الساخن الذين نفثه في لحظة غضب طارئة.
صحيفة الإنتباهة
أحمد طه صديق
ع.ش