تحقيقات وتقارير
الدوحة .. تجريب المجرب !!
كثف الوسطاء بقيادة قطر لليوم الخامس من جهودهم لتقريب مواقف الطرفين ـ الحكومة وحركة العدل والمساواة ـ من خلال التعرف على ملاحظاتهما حول المسودة التوافقية التى دفعت بها الوساطة امس والمتوقع ان يتم الاعلان عن الصيغة التوافقية قبل التوقيع عليها فى نهاية الجولة دون ذكر المسائل التى تم بحثها، وان كان يعتقد انها تركزت حول وجهة نظر كل منهما إزاء الوثيقة التي عرضوها عليهما والتى تركزت على اجندة التفاوض التى على رأسها وقف العدائيات ووضع جدول زمنى للمفاوضات وتحديد تاريخ انطلاقتها ومكان انعقادها وعلمت ( الصحافة ) ان الحكومة رفضت قائمة مطالب حركة العدل التى سربتها الصحف القطرية امس التي تضمنت تداول رئاسة الجمهورية والاقليم الواحد وخفض عدد الجيش فى الاقليم واحتفاظ الحركة بقواتها طيلة الفترة الانتقالية التى حددت بخمس سنوات، ومشاركة الحركة بنسبة 42 % في مناصب ولاية الخرطوم وتخصيص نسبة 15% من الدخل القومى لاقليم دارفور.
واعتبر محللون سياسيون قائمة مطالب العدل والمساواة ضغوطا تكتيكية بغية الوصول الى مطالبها الاصلية فى هذه المرحلة التى تتمحور فى فك الاسرى و المحبوسين والتأمين على اتفاق اطارى والذى هو بمثابة اعلان مبادىء جديد يحوى شواغلها ويسمح بفرضها على الاخرين لاحقا، فى الوقت الذى تسعى فيه الوساطة الى انتزاع اتفاق اطاري يركز على وقف العدائيات ووضع جدول زمنى للمفاوضات وتحديد تاريخ انطلاقتها وترك القضايا الاخرى لبحثها على طاولة المفاوضات، وذلك للحاق بمجلس الامن حتى يوقف صدور قرار توقيف الرئيس البشير من خلال تفعيل المادة 16. وهذه بلا شك تصب في مصلحة الخرطوم التي قبلت مسودة الوساطة وتحاول جاهدة تنظيفها من بعض مطالب العدل والمساواة لتكون في جولات التفاوض وليس في الاتفاق الاطاري.
السقوف التى طرحتها حركة العدل والمساواة ليست بجديدة، ففى مجال تهيئة الاجواء وبناء الثقة من اجل الدخول فى المفاوضات الشاملة لملفات السلطة والثروة والتربيات الامنية كانت الحركات الدارفورية قد تواثقت على كل ما يطرح الآن، فكانت اتفاقية وقف اطلاق النار من اجل الشأن الانسانى فى انجمينا فى ابريل 2004 وبرتوكول تعزيز الوضع الانسانى والامنى فى ابوجا فى نوفمبر 2004 ثم اتفاق اعلان المبادىء فى يوليو 2005 . تلك الاتفاقيات كانت نتاج مفاوضات شاركت فيها كل الحركات آنذاك دون اسثناء رغم ذلك لم يتحقق السلام والآن يسعى لقاء الدوحة لتوقيع اتفاق اطارى ثنائي ومحاولة فرضه على الاخرين وجعله قاعدة للتفاوض دون مشاركتهم فيها، انها تجريب المجرب كما يقول رئيس تحرير الايام الاستاذ محجوب محمد صالح فى مقال له امس حيث يرى ان ابوجا كانت اتفاقا جزئيا وقع عليه فصيل واحد وهذا بالضبط ما سيكون عليه حال الدوحة اذا ما استمرت في ما هي عليه الآن من ثنائية . ولعل حديث الاستاذ محجوب يذكرنا بتجربة المنحازين لسلام ابوجا التى عرفت اصطلاحا بـ ( d.o.s.) التي ما زالت تداعياتها ماثلة للعيان .
ويبدو ان انقسام وتشرذم الحركات وتقاطع الاجندات والمصالح الدولية والاقليمية . فقد فشلت سياسة (مشاركة الجميع) التى اتبعتها الوساطة المشتركة بين الامم المتحدة والاتحاد الافريقى بقيادة كل من السويدى يان الياسون والتنزانى سالم احمد سالم فى الجمع بين الفرقاء السودانيين فى محادثات سرت التى دعت لها الجماهرية الليبية عام 2007 لتسوية قضية دارفور وكل المؤشرات تشير الى ان سياسة ( المشاركة عبر مراحل ) التى يتبعها الوسيط الجديد البوركينى جبريل باسولى ستواجه نفس المصير فعلى الرغم من ان الياسون وسالم اتبعا نهج (مشاركة الجميع) وذلك من خلال اجراء مشاورات واتصالات مكثفة وقدما الدعوات لكل الحركات مهما كان حجمها فى الداخل والخارج دون عزل او اقصاء، فقد شارك البعض وتخلف البعض الاخر من بينها حركة العدل والمساواة التى اشترطت ان تكون المحادثات حصريا بينها وبين حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد والحكومة باعتبار الحركات الاخرى كرتونية. اما عبدالواحد فرفض المشاركة من حيث المبدأ باعتبار ان ليبيا ليست دولة محايدة. تلك السياسة وجدت انتقادات لاذعة من الاسرة الدولية والحركات المسلحة على السواء فالاسرة الدولية اعتبرت عدم تحقيق التنسيق بين تلك المجموعات قبل الدخول فى المفاوضات ناهيك عن توحيد مواقفها التفاوضية من الاخطاء التى ارتكبتها الوساطة، اما الحركات وبالتحديد العدل والمساواة فقد اعتبرت تقديم الدعوات لكل الاطراف من اسباب فشل المفاوضات لانها اقرت وخلقت اجساما جديدة ليست موجودة على الارض، ووصفتها بالكرتونية وحركات النت.
وسياسة المراحل التى يتبعها باسولى حاليا فى الدوحة تفاديا لتجربة سلفه الياسون وسالم بحصر التفاوض بين الحكومة وحركة العدل والمساواة وجهت لها ايضا انتقادات لاذعة من الاسرة الدولية والحركات المسلحة على السواء، فالاسرة الدولية والاقليمية التى شاركت على اعلى المستويات فى لقاء الدوحة ترى ان الوساطة اخطأت بحصرها المفاوضات فى الحكومة وحركة العدل والمساواة وعدم مشاورة او على الاقل التنسيق مع الحركات الاخرى، اما الحركات الرافضة للدوحة فاعتبرت اللقاء مجرد مصالحة بين الفرقاء الاسلاميين وان دعوتها للقاء الدوحة بمثابة (عزومة مراكبية).
ووفقا لتلك المعطيات يتضح جليا وبعد كل تلك المبادرات والتجارب بأنه لا خيار امام الجميع لتسوية قضية دارفور الا عبر حل سياسى يتم فيه توحيد المواقف التفاوضية واجندة الحوار بمشاركة كافة قطاعات وفئات واتجاهات القوى الفكرية والثقافية .
وكما افرز اتفاق ابوجا فى البداية جبهة الخلاص وانتهى بلقاء الخرطوم والعدل والمساواة في الدوحة ، افرزت مفاوضات الدوحة بدورها ما عرف بـ (منبر دارفور اولا) ولا ندري الى ماذا ستنتهي .
أبوزيد صبى كلو :الصحافة [/ALIGN]